نبی موسیٰ و تل العمارنہ
النبي موسى وآخر أيام تل العمارنة (الجزء الأول): موسوعة تاريخية جغرافية إثنية دينية
اصناف
وبشأن داود يقول «روجيه جارودي» في كتابه الذي كتبه بعد إشهار إسلامه، وترجمه له الداعية الإسلامي عبد الصبور شاهين:
حينئذ بدأ الصعود الرهيب لداود، الذي جعل من إسرائيل قوة سياسية. كان داود في بداية أمره حامل سلاح لشاول (صموئيل أول، 16: 21)، ثم أبعده شاول لأنه كان يغار من انتصاراته ضد الفلسطينيين (28: 8)، بل حاول قتله (18: 11 و19: 10)، فهرب داود في جبال الضفة الغربية لنهر الأردن، حيث كون «عصابة» مسلحة قوية للغزو (25: 13)، كما كان يفعل الخابيرو قديما، «وعمل داود مع مرتزقته في خدمة الفلسطينيين» الذين كانوا في حرب عنيفة ضد إسرائيل ... ولم يكن الأمر في هذه الغارات أمر تحريم أو إبادة مقدسة، أمر بها يهوه الرب، كما كانت الحال على عهد يشوع، إنما كانت مجرد «عمليات سطو مسلح دنيوية محضة وسياسية» قامت بها المملكة التي سوف يشيدها داود، لا مع الفرق المجندة من الأسباط، بل مع جنده المحترفين من كل جنس. ولما كان داود قد تزوج من ميكال ابنة شاول، فقد كان صهرا للملك القديم (18: 22-27)، وهو ما جعله خليفته الشرعي، عند ذلك تدخل الفلسطينيون للمرة الأخيرة فهزمهم داود، لا بواسطة جيش الأسباط بل بالمرتزقة. (صموئيل الثاني، 5 : 12)
2
ويزعم المقدس أن داود تمكن في سنوات قلائل، من إقامة دولة كبرى، أخضعت بلاد جيرانها مثل آدوم وموآب وعمون، بل وأجبر الأراميين في دمشق على دفع الجزية، وأخذ أورشليم من اليبوسيين واتخذها عاصمة لملكه، وجعل ليهوه مقرا واضحا، بنقل التابوت المتجول، الذي ينام فيه يهوه، من حالة البداوة المرتحلة إلى حالة الاستقرار المدني في مدينة، ثم تقديسها لنزول الإله بها، وأعطى أورشليم قدسية لتصبح رمزا لوحدة إسرائيل، رغم أن هذه القدسية كان يحوزها قبل ذلك جبل حوريب المقدس بسيناء، حيث كان يتجلى الرب المدمدم المزمجر العاصف الناري لموسى، وحيث صنع التابوت، وحيث التقى موسى بربه، وحيث تلقى موسى ألواح الشريعة، وحيث كان هناك مقر الإله وعلامات قوته في سيناء المصرية.
وقد تزامن تشكيل المملكة الإسرائيلية الموحدة في فلسطين مع فجر القرن العاشر قبل الميلاد، ومع بداية تمركز الأراميين في ممالك ببلاد الشام، ورغم أن البحوث الأركيولوجية لم تفدنا إطلاقا بمثل هذا التوسع للدولة الإسرائيلية، فهو مما يوعز بشدة أن حكاية إخضاع داود للشعوب الأخرى، لم تكن سوى مبالغات من المحرر التوراتي، صاغها في حبكة ملحمية، حيث لا دليل تاريخي، ولا آثاري يؤكدها أو حتى يشير إليها مجرد إشارة، لا في نصوص آثار فلسطين ذاتها، ولا في أي أثر من آثار حضارات المحيط بالمنطقة جميعا.
لكن ذلك لا يعني شطب القصة برمتها، وعدم اعتماد تاريخيتها، لأن أول تقاطع بين التوراة وبين التاريخ، كعلم نجده في حديث التوراة عن ملك حكم في دمشق باسم «بن حدد بن طبريمون الأرامي»، إبان حرب بين مملكتي يهوذا وإسرائيل، وهو ما جاء في النص:
وأخذ آسا (ملك يهوذا المملكة الجنوبية) جميع الفضة والذهب الباقية في خزائن بيت الرب وخزائن بيت الملك، ودفعها ليد عبيده وأرسلهم الملك آسا إلى «بنهدد بن طبريمون بن حزيون، ملك أرام الساكن في دمشق» قائلا: إن بيني وبينك وبين أبي وأبيك عهدا، هو ذا قد أرسلت لك هدية من فضة وذهب، فتعال انقض عهدك مع بعثا ملك إسرائيل فيصعد عني. فسمع بنهدد للملك آسا وأرسل رؤساء الجيوش التي له على مدن إسرائيل، وضرب عيون ودان وآبل بيت معكة وكل كنروت مع كل أرض نفتالي. (ملوك أول، 15: 18-20)
وفي التاريخ كعلم تعطينا الوثائق اسم ملك أرامي هو «بن حدد الأول»، وقد عثر قرب مدينة حلب على نصب بازلتي نذره هذا الملك باسمه «بن حدد بن طبريمون بن حزيون» ملك أرام دمشق للإله ملقارت، ويرجع تاريخ النصب إلى حوالي عام 860ق.م.
وعليه نقش يقول: «النصب الذي أقامه بن حدد بن طبريمون بن حزيون ملك أرام لسيده ملكارت الذي نذر له فسمع قوله.» ويحفظ هذا النصب الآن بمتحف حلب بسوريا،
3
نامعلوم صفحہ