وعليه فإن اليهود قد استنكفوا أن يكون المذبوح إسماعيل؛ لأنه سيكون أضحية معابة الدم، وعليه فلابد أن المذبوح كان إسحاق، حتى لو خالف ذلك شرعة التضحية بالبكر، وحتى لو أنكر إسماعيل تماما وأصبح إسحاق بكر إبراهيم ووحيده.
وقد ذكر القرآن الكريم قصة الذبح، لكنه لم يذكر الذبيح بالاسم، وإن كان التراث الإسلامي يعرف النبي محمدا
صلى الله عليه وسلم
بابن الذبيحين، والمقصود بالذبيحين: أبوه عبد الله، الذي كاد يكون ضحية للإله هبل، إيفاء لنذر جده القريب عبد المطلب، وإسماعيل جده البعيد الذي كاد يكون ضحية للإله «إيل»، والذي انتسب إليه إسماعيل باسمه «سمع-إيل»!
ومن الواضح أن قضية الذبيح قد شغلت المسلمين الأوائل فيما يبدو لنا من قول الثعلبي النيسابوري: «واختلف علماء السلف من عامة المسلمين، في الذي أمر إبراهيم عليه السلام بذبحه من بنيه، بعد إجماع أهل الكتاب على أنه كان إسحاق عليه السلام، فقال قوم: هو إسحاق. وذهب إليه من الصحابة: عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وعلي بن أبي طالب، ومن التابعين وأتباعهم: كعب الأحبار (ولنلحظ أن كعبا كان يهوديا، تأسلم). وقال الآخرون: هو إسماعيل. وإلى هذا القول ذهب عبد الله بن عمر، وسعيد بن المسيب، والشعبي، ومجاهد. وكان الشعبي يردد: «رأيت قرني الكبش منوطين بالكعبة».»
8
أما ابن كثير فيعقب بالقول: «الظاهر من القرآن ... أن الذبيح هو إسماعيل؛ لأنه ذكر قصة الذبيح، ثم قال بعده:
وبشرناه بإسحاق نبيا من الصالحين (الصافات: 112). ومن جعله حالا فقد تكلف، ومستنده أن إسحاق إنما هو إسرائيليات، وكتابهم فيه تحريف، ولاسيما ها هنا قطعا لا محيد عنه، فإن عندهم أن الله أمر إبراهيم أن يذبح ابنه وحيده، وفي نسخة من المعربة: بكره إسحاق، فلفظة إسحاق ها هنا مقحمة مكذوبة مفتراة، لأنه ليس الوحيد، ولا «البكر» ذاك إسماعيل.»
9
ورغم متابعة ابن كثير لكثير من التفاصيل التوراتية، فإن له كثيرا من المواقف العلمية المحمودة، ولديه في هذا الأمر تحليل جميل، وضح أولا في رؤيته للنص التوراتي، بحيث نكتفي بحذف إسحاق، ليستقيم الأمر إسماعيليا، منطقا وشرعا، ثم وضح ثانيا في شرحه لقصة مولد إسماعيل، وهو يكاد يطابق عبارات التوراة ذاتها، لكنك تجد أيضا ابن كثير يقف محللا ناقدا عالما. ولنقرأ معا قوله: «فلما حملت هاجر، ارتفعت نفسها وتعاظمت على سيدتها، فغارت منها سارة، فشكت ذلك إلى إبراهيم، فقال لها: افعلي بها ما شئت، فخافت هاجر فهربت ونزلت عند عين هناك (دون تعيين لمكان هذه العين بالتحديد)، فقال لها ملك من الملائكة: لا تخافي فإن الله جاعل من هذا الغلام الذي حملت به خيرا. وأمرها بالرجوع، وبشرها أنها ستلد ابنا، وتسميه إسماعيل، ويكون وحش الناس، يده على الكل ويد الكل به (لاحظ أن ابن كثير أصلح من شأن النص التوراتي القائل يد الكل عليه إلى يد الكل به)، ويملك جميع بلاد إخوته، فشكر الله عز وجل على ذلك، «وهذه البشارة إنما انطبقت على ولده «محمد»»، فإنه الذي سادت به العرب، وملكت جميع البلاد شرقا وغربا»،
نامعلوم صفحہ