وسار الإخباريون المسلمون وراء التوراة هنا أيضا (عالجنا ذلك بالتفصيل في بحث سبق نشره)،
18
واستنزلوا اللعنات صبا على رأس كنعان بن حام، رغم أن الآثم في القصة (إذا كان فيها إثم) هو حام الأب، وليس كنعان الابن!
أما الأمر الثاني الذي يتأسس على ما أوردته التوراة، وأخذ به الإخباريون المسلمون، فهو ما نضرب له مثلين: الأول من أصحاب الديانة المسيحية التي تأخذ بالتوراة الحالية كمقدس مسلم بصدقه، وهو القس المبشر العالمي «ماير».
والثاني من الباحثين المسلمين المحدثين «د. صابر طعيمة»، حيث كان إبراز المثالية النبوية ممثلة في النبي إبراهيم، تعني في المقابل الحط من شأن أهل العراق القديم بحسبانهم من أهل «أور الكلدانيين».
يقول «ماير»: «كان أولاد حام قد أغرقوا في العبادة الوثنية ... وسرعان ما اقترنت عبادتهم بمظاهر الدعارة والفجور، وفي وسط بني حام قامت عشيرته (يقصد عشيرة النبي إبراهيم) من بني سام، واستقرت في المراعي الغنية خارج مدينة أور تحت قيادة رئيسها تارح، ولأن أفراد هذه العشيرة كانوا من الرعاة، فلم تأخذ ألبابهم تلك المدينة ذات الأسوار العالية، بكل ما فيها من مظاهر وأمجاد المدنية ... «إن حياتهم الدينية كانت أنقى من حياة أولئك القوم» الذين سكنوا في وسطهم. على أنه للأسف الشديد، سرعان ما دبت «جرثومة الفساد» وسط هذه العشيرة بسبب مجاورتها لبني حام، يا لها من مسئولية خطيرة على أولاد الله الأتقياء، إذا ارتضوا أن يعيشوا في «الأوساط النجسة الشريرة» ...
19
إلخ.»
هذا كل ما رآه «ماير» في حضارة الرافدين القديم: عبادات وثنية، جرثومة فساد، أوساط نجسة شريرة ... إلخ، وهي بالطبع رؤية من خلال العدسات التوراتية.
فماذا يقول «د. طعيمة»؟ «حوالي عام 1800ق.م كانت مجموعة من الرعاة والمنتسبة تاريخيا لبعض هذه الأفواج، التي هاجرت من الصحراء إلى منطقة الهلال الخصيب، قد استطاعت أن تنتشر في العراق وتستقر لتؤلف دولة يذكرها التاريخ باسم الكلدانيين، وهناك من وسط الطبقات الدنيا، في قلب «هذا الشعب الوثني المتخلف» نشأ النبي إبراهيم عليه السلام.»
نامعلوم صفحہ