يسأل عنه والإيقاظ عما هو فيه [١٩/ أ] بإعادة الروح المميز الإنساني إليه، كالنائم الذي يوقظ، ومن الجائز أن يقال: أجلسته عن نومه أي: أيقظته عن رقدته، على المجاز والاتساع؛ لأن الغالب من حال النائم إذا استيقظ أن يجلس، فجعل الإجلاس مكان الإيقاظ، والظاهر أن بعض الرواة جعل الإقعاد بدل الإجلاس في روايته بالمعنى؛ لأن الحديث ورد بهما ففي هذا الحديث: (فيقعدانه) وفي حديث البراء (فيجلسانه) وهذا اللفظ أولى اللفظين بالاختيار؛ لأن الفصحاء إنما يستعملون القعود في مقابلة القيام، فيقولون القيام والقعود، ولا يسعهم أن يقولوا القيام والجلوس، يقال: قعد الرجل عن قيام، وجلس عن ضجعة واستلقاء، وقد حكى أن النضر بن شميل دخل على المأمون عند مقدمه مرو، فمثل بين يديه وسلم، فقال المأمون: اجلس، فقال: يا أمير المؤمنين، لست بمضطجع فأجلس، قال: فكيف أقول؟ قال: قل: اقعد.
فعلى هذا، المختار من الروايتين هو الإجلاس؛ لما أشرنا إليه من دقيق المعنى وفصيح الكلام، وهو الأحق والأجدر ببلاغة الرسول ﷺ ولعل الاختلاف وقع في اللفظين من بعض من روى الحديث بالمعنى، فظن أنهما ينزلان في هذا الموضع من المعنى بمنزلة واحدة.
ومن هذا الوجه أنكر كثير من السلف رواية الحديث بالمعنى خشية أن يزل في الألفاظ المشتركة، فيذهب عن المعنى المراد جانبا.
قوله ﷺ (لا دريت ولا تليت) هكذا يرويه المحدثون، والمحققون منهم على أنه غلط، والصواب مختلف فيه، فمنهم من قال: صوابه: لا أتليت- ساكنة التاء، دعا عليه بأن لا تتلى إبله. أي: لا يكون لها أولاد تتلوها، فهذا اللفظ على هذه الصيغة مستعمل في كلامهم، لا يكاد يخفى على الخبير باللغة العربية، فإن قيل: هذا الدعاء لا يناسب حال المقبور؛ قلنا: الوجه أن يصرف معناه إلى أنه مستعار في الدعاء عليه بأن لا يكون لعمله نماء وبركة. وقال بعضهم: أتلي: إذا أحال على غيره، وأتلى: إذا عقد الذمة والعهد لغيره. أي: ولا ضمنت وأحلت بحق على غيرك، لقوله: (سمعت الناس) ومنهم من قال: (لا ائتليت) على أنه افتعلت، من قولك: ما ألوت هذا، فكأنه يقول: لا استطعت، ومنهم من قال: (تليت) أصله: تلوت، فحول الواو ياء لتعاقب الياء في دريت.
قوله ﷺ (يسمعها من يليه غير الثقلين) إنما صار الثقلان/ ١٩ ب عن سماع ذلك بمعزل لقيام التكليف ومكان الابتلاء، ولو سمعوا ذلك لارتفع الإيمان به ضروريا، فأخفى عنهم ذلك؛ كيلا يفوتهم حظهم من الإيمان بالغيب.
1 / 71