القدر من نفيه، لا لإثباته، وهؤلاء الضلال يزعمون أن القدرية هم الذين يثبتون القدر، كما أن الجبرية هم القائلون بالجبر، فالجواب أن نقول: لم نثبت نحن هذا النبز من طريق القياس حتى تقابلونا بهذه الدعوى، وإنما أخذناه من النصوص الصحيحة، والتوقيف من قبل الرسول ﷺ فمن ذلك قوله- سبحانه- ﴿إنا كل شيء خلقناه بقدر﴾ [ومن بيان الآية] على ما في الحديث يبين لنا ذلك، ومنه قوله ﷺ: (وأن تؤمن بالقدر خيره وشره) ومنه قوله ﷺ: (كل شيء بقدر) ومنه قوله ﷺ للسائل: (بل شيء قضى عليهم).
[٧٧] ومنه قوله ﷺ: (يكون في أمتي خسف ومسخ) وذلك في المكذبين بالقدر) وقوله ﷺ: (القدرية مجوس هذه الأمة).
في أحاديث لا تعد كثرة، وقوله ﷺ: فيه (ليس لهما في الإسلام نصيب) ربما يتمسك به متمسك في تكفير الفئتين، والسبيل ألا يسارع إلى تكفير أهل الأهواء المتأولين؛ لأنهم لا يقصدون بذلك اختيار الكفر ولا الرضا به، وقد بذلوا وسعهم في إصابة الحق، فلم يقع لهم غير ما زعموه، فهم إذا [١٧/ ب] بمنزلة الجاهل، والتكفير لا يطلق إلا بعد البيان والجلاء، وهذا القول هو الذي يذهب إليه المحققون من علماء الأمة نظرا واحتياطا، وذلك ظاهر أمرهم الذي يهتدي إليه أهل الفتوى، وباطنه موكول إلى علم الله في آخرتهم، فنجري قولهم هذا مجرى الاتساع في بيان سوء حظهم وقلة نصيبهم من الإسلام، وذلك مثل قولك للرجل البخيل المتمول: ليس له من ماله نصيب، وإن كان يأخذ منه حظه من المأكل والملبس، وقد يطلق الكلمة على الشيء لنوع من التمثيل، ولا يقضي منها حقيقة حكمها عند التفصيل، وأما قوله ﷺ: (يكون في أمتي خسف ومسخ) وقوله ﷺ (ستة لعنتهم لعنهم الله) وأمثال ذلك، فإنها تحمل على المكذب به، إذا أتاه من البيان ما ينقطع به العذر، أو على من يفضي به العصبية إلى تكذيب ما ورد فيه من النصوص، أو إلى تكفير من خالفه في هذا الاعتقاد، واستباحة دمه وماله.
والشارع يأتي بالقول المجمل في أبواب الوعيد؛ ليكون أبلغ في الزجر [وقد ذكر بعض من لم يميز في
1 / 67