ويحتمل أن يكون اليمين بمعنى القوة.
قال الشماخ:
إذا ما راية رفعت لمجد .... تلقاها عرابة باليمين
[٦٨] ومنه حديث عبد الله بن عمرو- ﵁ (خرج إلينا رسول الله ﷺ وفي يده كتابان ..) الحديث
أما قول النبي ﷺ: (هذا كتاب من رب العالمين) فالأظهر أنه من باب المجاز الجاري مجرى الحقيقة، وذلك أن المتكلم إذا أراد تحقيق قوله، وتفهيم غيره، واستحضار المعنى له حتى كأنه ينظر إليه رأي عين صوره بصورة، وأشار إليه إشارته إلى المحسوس المشاهد، فالنبي ﷺ كوشف بحقيقة هذا الأمر، وأطلعه الله عليه إطلاعا لم يبق معه خفاء، مثل المعنى الحاصل في قلبه بالشيء الحاصل في يده، هذا ونحن لا نستبعد أيضا إطلاق ذلك على الحقيقة، فإن الله- تعالى- قادر على كل شيء والنبي ﷺ مستعد لإدراك المعاني الغيبية، ومشاهدة الصور المصوغة لها.
وقد سمعت من اشتهر في زماننا بالرسوخ في علم النظر، ثم أيد من مكاشفات الصوفية بما يعز مثله في الشاهد، يقول: من لم يعتقد أن لله عبادا يشاهدون في حال اليقظة ما لا يمكن لغيرهم أن يراه إلا في حالة النوم؛ لم يهتد إلى حقيقة الإيمان بالنبوة. وإذا كان من حق الإيمان ألا يقابل أمثال ذلك في إتباع الأنبياء بالنكير، ولا يستبدع الاطلاع على مثل هذه الأحوال والمكاشفة بنظائر هذه الآيات في حق خواص عباد الله، فكيف بمن هو سيد المرسلين، وأعلاهم رتبة، وأغزرهم علما، وأوفرهم حظا ﷺ أفضل صلاة صلاها على نبي من أنبيائه.
وأما قول الصحابة- ﵃ (خرج إلينا رسول الله ﷺ وفي يده كتابان) فإنه أخبر بما
1 / 62