طريقًا وعرًا واستكره الألفاظ والمعاني، ففسد شعره، وذهبت طلاوته، ونشف ماؤه؛ وقد حكى عبد الله بن المعتز في هذا الكتاب الذي لقبه بكتاب البديع أن بشارًا وأبا نواس ومسلم بن الوليد ومن تقيلهم لم يسبقوا إلى هذا الفن، ولكنه كثر في أشعارهم فعرف في زمانهم. ثم إن الطائي تفرع فيه، وأكثر منه، وأحسن في بعض ذلك، وأساء في بعض، وتلك عقبى الإفراط، وثمرة الإسراف.
قال: وإنما كان الشاعر يقول من هذا الفن البيت والبتين في القصيدة، وربما فرئ في شعر أحدهم قصائد من غير أن يوجد فيها بيتٌ واحدٌ بديعٌ، وكان يستحسن ذلك منهم إذا أتى قدرًا، ويزداد حظوة بين الكلام المرسل. وقد كان بعضهم يشبه الطائي في البديع بصالح بن عبد القدوس في الأمثال، ويقول: لو كان صالحٌ نثر أمثاله في تضاعيف شعره وجعل منها فصولا في أبياته لسبق أهل زمانه، وغلب على ميدانه. قال ابن المعتز: وهذا أعدل كلامٍ سمعته.
قال صاحب البحتري: فقد سقط الآن احتجاجكم باختراع أبي تمام لهذا المذهب وسبقه إليه، وصار استكثاره منه وإفراطه فيه من أعظم ذنوبه، وأكبر عيوبه، وحصل للبحتري أنه ما فارق عمود الشعر وطريقته المعهودة، مع ما بحده كثيرًا في شعره من الاستعارة والتجنيس والمطابقة، وانفرد بحسن العبارة،
1 / 18