نَعَمْ. فَذَهَبْتُ بِهِ إِلَى رَجُلٍ مِنَ الْحَيِّ له صلاح ودين، فجمعت بينهما، وتواطئا عَلَى الْمُرَافَقَةِ، ثُمَّ انْطَلَقَ بَهِيمٌ إِلَى أَهْلِهِ، فلما كان بعد، أتاني الرجل وقال: يَا هَذَا! أُحِبُّ أَنْ تَزْوِيَ عَنِّي صَاحِبَكَ ويطلب رفيقًا غيري. فقلت: ولم؟ وَاللَّهِ مَا أَعْلَمُ بِالْكُوفَةِ لَهُ نَظِيرًا فِي حسن الخلق والاحتمال. قال: وَيْحَكَ، حُدِّثْتُ أَنَّهُ طَوِيلُ الْبُكَاءِ لا يَكَادُ يَفْتُرُ، فَهَذَا يُنَغِّصُ عَلَيْنَا الْعَيْشَ. فَقُلْتُ: وَيْحَكَ، إنما يكون البكاء أحيانًا عند التذكرة، أوما تبكي أنت؟ قال: بلى، ولكنه قَدْ بَلَغَنِي عَنْهُ أَمْرٌ عَظِيمٌ مِنْ كَثْرَةِ بكائه. فقلت: اصحبه لعلك تَنْتَفِعَ بِهِ. فَقَالَ: أَسْتَخِيرُ اللَّهَ.
فَلَمَّا كَانَ الْيَوْمِ الَّذِي أَرَادَ أَنْ يَخْرُجَا فِيهِ، جِيءَ بِالْإِبِلِ وَوُطِّئَ لَهُمَا، فَجَلَسَ بَهِيمٌ فِي ظِلِّ حائط [يبكي]، فوضع يده تحت لِحْيَتِهِ، ثُمَّ عَلَى صَدْرِهِ حَتَّى وَاللَّهِ رَأَيْتُ دموعه على الأرض، فقال لي صاحبي: يَا مُخَوَّلُ! قَدِ ابْتَدَأَ صَاحِبُكَ، لَيْسَ هَذَا لي رفيق.
فَقُلْتُ: ارْفُقْ، لَعَلَّهُ ذَكَرَ عِيَالَهُ وَمُفَارَقَتَهُ إِيَّاهُمْ. وَسَمِعَهَا بَهِيمٌ، فَقَالَ: يَا أَخِي! وَاللَّهِ مَا هو ذاك، وما هو إلا لأني ذَكَرْتُ بِهَا الرِّحْلَةَ إِلَى الْآخِرَةِ. وَعَلا صَوْتُهُ بِالنَّحِيبِ.
فَقَالَ لِي صَاحِبِي: مَا هِيَ بِأَوَّلِ عَدَاوَتِكَ لِي، مَالِي وَلِبَهِيمٍ؟! إِنَّمَا كَانَ
1 / 115