وَمهما ظن أَنه لَيْسَ وَرَاء قدره مرمى، فقد حرم بركَة قَوْله ﷿ ﴿وَقل رب زِدْنِي علما﴾ [طه: ١١٤] . وَقد كَانَ الْعلمَاء الربانيون من هَذِه الْأمة على مَا وهبوه من الْقُوَّة فِي غَايَة الخزع والهلع، يتدرعون الْعَجز الَّذِي يأباه الْيَوْم لكع بن لكع، حَتَّى كَانَ مَالك ﵀ وَهُوَ الَّذِي لَا يقرى أحد كَمَا يقرى أَهْون مَا عَلَيْهِ أَن يَقُول فِيمَا لَا يدْرِي أَنه لَا يدْرِي، وَيُشِير بهَا إِلَى الأفاضل والأمائل، وَيَقُول: جنَّة الْعَالم لَا أَدْرِي فَإِذا أخطأها أُصِيبَت مِنْهُ الْمقَاتل.
وعزم أَمِير الْمُؤمنِينَ على أَن يحمل النَّاس فِي سَائِر المماليك على الإقتداء بموطأ مَالك ﵁ وإطراح مَا عداهُ، وَأَن لَا يتجاوزه أحد، وَلَا يتعداه، فَمَنعه مَالك من ذَلِك، وَيخرج من أَن يكون فِي قواصي البسيطة من السّنَن المنقولة والعلوم المحفوظة نَوَادِر مَا أحَاط بهَا وَمن أَيْن للبشر قُوَّة مُحِيطَة. وَذَلِكَ أَن الصَّحَابَة ﵃ نشرُوا الْحق فِي الْبِلَاد، ونصحوا فِي النّظر للعباد، وَقد بَث الله فَضله حَيْثُ شَاءَ، وَلَعَلَّ فِي اللحوق مَا يفوق الْإِنْشَاء، وَقد يفهم الْفَرْع مَا خَفِي عَن الأَصْل، وَكَيف لأحد أَن يحْجر وَاسِعًا من الْفضل،
وَبِهَذَا يتنزل قَوْله ﵇: " رب مبلغ أوعى من سامع " على نصابه، وَيفهم على مَا هُوَ عَلَيْهِ والمتواضع هُوَ الَّذِي يَأْتِي الْبَيْت من بَابه. والعلوم وَاسِعَة وَمَا أُوتِيَ الْخلق مِنْهَا إِلَّا قَلِيلا. وَأُولَئِكَ أَيْضا الأقلون، والزيادات المتواقعة رَحْمَة وَمن يقنط من رَحْمَة ربه إِلَّا الضالون، وَمُقْتَضى الدَّلِيل أَن بَاب الزِّيَادَة مَفْتُوح إِلَى عصرنا هَذَا الَّذِي ساءت بِهِ الظنون، وَقعد الْمُحَقق فِيهِ فِي حيّز المغبون، فَإِن الشَّرِيعَة مَضْمُونَة الْحِفْظ مَأْمُونَة الإضاعة، متكفلة فِي ذمَّة الله إِلَى قيام السَّاعَة. فَيلْزم من ذَلِك أَن يؤهل الله لَهَا فِي كل عصر قومة بأمرها وخزنة لسرها،
1 / 35