[المتوكل على الله إسماعيل بن القاسم في بلاد اليمن]
k
-
الطبعة الأولى
1428ه/2007م
تم الصف تحت إشراف الصندوق الخيري لطلاب العلم الشريف بالجامع الكبير بصنعاء
وتم التنسيق والإخراج بمركز النهاري للطباعة - صنعاء- الدائري الغربي
تلفون (711713456)
إخراج: أحمد الأهدل
رقم الإيداع بدار الكتب الوطنية لعام 2003م
( )
مؤسسة الإمام زيد بن علي الثقافية
ص.ب. 15134تلفون (205777-009671)
فاكس (205771-009671) صنعاء - الجمهورية اليمنية
Website: www.izbacf.org ; email: [email protected]
الإهداء
إلى هادي البشرية العظيم سيدي محمد بن عبد الله، الطيب الطاهر -صلوات الله عليه وآله الأطهار...
إلى والدي الكريمين....
سبب وجودي على هذه الأرض...
المنبع الصافي الذي نهلت منه حب الناس على اختلافهم ...
وحب الدين والاستقامة والسير في الطريق المستقيم منذ الصغر...
من سعى بكل جهده لرعايتي خير رعاية وتربيتي وتعليمي...
وبذل كل غال ورخيص من أجل تحقيق ذلك...
إلى مدرسي جميعا... إلى كل مؤمن ومؤمنة.....
أهدي هذا العمل المتواضع البسيط......
راجية من الله أن يجعله أول خطوة سالكة في مسار العلم والمعرفة.
آمين...
شكر وتقدير
إنني أحمد الله تعالى الذي مكنني من إنجاز هذا البحث وتقديمه من غير حول لي ولا قوة في فترة زمنية وجيزة، وعسى أن يتقبله سبحانه مني خالصا لوجهه الكريم، وأن يهديني به إلى سواء السبيل، ويوفقني لما فيه خير الدنيا والآخرة..
صفحہ 1
كما أنني ممتنة كثيرا لعدد من المدرسين الأفاضل الكرام، الذين قاموا بمساعدتي على الدوام، فرفعوا من مستواي العلمي والخلقي، وجعلوا مني بشرا قادرا على مجاراة الحياة، وفهم ما غمض منها، كما قد ربوني وأعانوني لأصبح على ما أنا عليه الآن قادرة على التعبير والبحث، والاطلاع، والنقد، والكتابة في أي موضوع بعدل وموضوعية..
فجزاهم الله عني خيرا، وأعانهم، وثبت خطاهم، وحفظهم لمعونة الأجيال القادمة، وبارك جهودهم، وحشرهم في زمرة نبيه المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم وآل بيته الأطهار، وأسكنهم فسيح جناته مع الشهداء الصالحين والمؤمنين أجمعين ... آمين.
وهؤلاء هم:
الأستاذ العلامة صبور عبد الرحمن الشامي: معلمي الأول ومرشدي الأعظم.
الأستاذ الداعية الأخ: حسن عبد الله الصعدي، الذي شجعني لكتابة البحث ومناقشته ولطالما سعى لينمي فينا أخلاق ومبادئ الأنبياء، وحب الوسطية والاعتدال في جميع الأمور، والرضى، وحب الغير، وعلمني كيف يكون المؤمن داعية حقا إلى سبيل ربه.
بالإضافة إلى أساتذة قادة آخرين هم:
الأستاذ عبد الرحيم الفقيه.
الأستاذ محمد عبد الله قاطه.
الأستاذ أحمد الخزان.
الأستاذ علي شرف الدين.
كما لا أنسى مديرة المدرسة اليمنية الحديثة، المربية الكبيرة والكريمة والتي تجهد نفسها وتسعى بكل ما أوتيت من قوة لرفع مستوى الطلاب والطالبات، الأستاذة أمة الكريم عبد القادر شرف الدين، وفقها الله لكل خير.
وصلى الله على النبي وآله.
صفحہ 2
مقدمة إن لشخصية الإمام المتوكل على الله إسماعيل بن القاسم -عليه السلام- أهمية كبرى في تاريخ الجزيرة العربية بصفة عامة، وتاريخ اليمن بصفة خاصة، فقد كان أول إمام تتوسع في عهده الدولة الزيدية إلى أقصى مدى وصلته بعد استقلالها عن الدولة العثمانية عام (1045ه / 1635م)، إضافة إلى ذلك فقد كان عهده عهد حضارة فكرية، وعمرانية، وإدارية راقية قلما وجدت في أي قطر عربي أو غربي بالمستوى التي كانت عليه أيام الإمام في اليمن.
صفحہ 3
إن الدافع الذي حثني لكتابة هذا البحث، كان في الحقيقة شعوري بأنني قريبا سأفارق هذه المدرسة إلى الأبد، وأنني ربما لن أمنح فرصة أخرى غير هذه التي أمامي لكتابة بحث قد يستفيد منه الطلبة أو أي باحث، لذا قررت بكل عزم وإرادة بذل قصارى جهدي لإخراج هذا البحث بالصورة التي هو عليها، علما بأنني كنت أود كتابة البحث عن الإمام الهادي إلى الحق يحيى بن الحسين عليه السلام لتوفر المصادر التي تتحدث عن حياته من كافة الجوانب، ولكن ظننت أنني لو بحثت في سيرة أحد الأئمة الآخرين الذين لم تتطرق المراجع لذكر سيرته بشكل مفصل نوعا ما سواء الزيدية أو غيرها لكان ذلك عملا لا بأس به، لا أقصد بقولي هذا أن سيرة الإمام الهادي تشوبها شائبة، وهي السيرة العظمى لقائد مؤمن عظيم، جليل القدر، رفيع المقام، ولكن سيرة الإمام الهادي عليه السلام معروفة، منشورة، متوفرة إلى حد ما، على العكس من سيرة الإمام المتوكل إسماعيل بن القاسم، لذلك قررت البحث عن سيرة الإمام والكتابة عنها.
صفحہ 4
الصعوبات التي واجهت البحث إن أشد الصعوبات التي واجهتها أثناء بحثي هي الربط بين المعلومات المتفرقة في المصادر المختلفة وجمعها تحت عنوان واحد.. ولهذا فقد استعنت أحيانا بالعناوين المتوفرة في تلك الكتب ذاتها، وعلى أساسها كنت حينها أبحث، وفي أحيان أخرى كنت ألخص فكرة المعلومات المتوفرة لأخرج منها بعنوان مناسب لفقرة ما، وهكذا أمضيت ثلاثة أيام تعلمت فيها الكثير عن كيفية كتابة البحوث وتنظيمها بالإضافة إلى القيم التي جنيتها من تلك السيرة المتوكلية العظيمة أثناء عملي لإنجاز هذا البحث.
أما بالنسبة للمصادر التي استخلصتها لنيل المعلومات اللازمة لإثراء مادة البحث، فإني قد كنت استعرتها سابقا من خالي الذي يعمل في الآثار وأبقيتها معي في حين أنه أصبح مشغولا عنها أو في بعض الأحيان كانت مكتبته تحتوي على أكثر من نسخة واحدة لنفس الكتاب، ومصادفة وجدت أن معظم تلك الكتب التي أعطانيها احتوت على شيء من سيرة الإمام المتوكل على الله إسماعيل ابن القاسم عليه السلام، وهذا في الحقيقة شجعني لكتابة البحث والعمل الدؤوب لإنجازه.
صفحہ 5
هذا وقد اختصرت كثيرا من المعلومات والحوادث لتيسير العمل ولضيق وقتي. [حيث أنا على وشك الدخول لاختبارات الصف الثالث الثانوي - القسم العلمي] مع أنني كنت أتمنى أن أضم كل شيء علمته عن الإمام المتوكل على الله عليه السلام لأرسم لدى القارئ أوضح صورة ممكنة عن سيرته عليه السلام، ولهذا فإنني أعتذر، فلم يكن لدي حل أفضل من الاختصار، وذكر معظم ما هو مهم، ومفيد، وواضح، وحقيقي مشترك ذكره في تلك المصادر التي لم تكن جميعها زيدية أو بالأحرى يمنية، فقد كان بعضها حجازيا والآخر مصريا، إلى غيرها من المصادر العامة الأخرى المختلفة.
صفحہ 6
مضامين البحث لقد تضمن هذا البحث المقدمة، وتمهيدا ثريا بالمعلومات المتنوعة كنت قد عرضت فيه دراسة جغرافية موجزة لبلاد اليمن ليتعرف القارئ على مسرح أحداث موضوع البحث، وليدرك مدى تأثير البيئة الجغرافية على الحضارة البشرية لسكان اليمن، كما ذكرت فيه موجزا مختصرا عن المذاهب الدينية المنتشرة في اليمن آنذاك، والتي كان لها تأثير عميق في الأحداث السياسية لارتباط بعض نظرياتها بنظم الحكم، ولأنني - كما ذكرت سابقا- كنت قد اختصرت الكثير من الحوادث والمعلومات فلم يكن واضحا بالقدر الواجب تأثير البيئة الجغرافية والمذاهب الدينية على نظم الحكم في اليمن. هذا بالإضافة إلى أنني لم أركز كثيرا على نظم الحكم في اليمن لأنني أردت إعطاء فكرة مجملة عن تلك الفترة الزمنية التي عاشها اليمن في ظل الإمام المتوكل على الله -عليه السلام-.
تمهيد
إن دراسة أي موضوع تاريخي لابد أن يسبقها توضيح أمام القارئ على اختلاف مداركه خلفية لذلك الموضوع، وقد يكون من الأوفق لنا أن نعرض للقارئ عرضا جغرافيا ومذهبيا مبسطا لبلاد اليمن في الفترة تلك.
فمن الناحية الجغرافية فإن اليمن يقع في الركن الجنوبي الغربي لشبه الجزيرة العربية، بين خطي عرض 13-18 شمالا، ويطل على مساحات مائية واسعة، حيث يحده البحر الأحمر غربا، والبحر العربي وخليج عدن جنوبا، ويغلب على تضاريس اليمن الطابع الجبلي حيث تنقسم المنطقة إلى أربعة أقاليم.
صفحہ 7
أولا: إقليم تهامة وهو سهل ساحلي يعرف باسم تهامة اليمن، وتتراوح في اتساعه بين 40 - 50 كيلو مترا، وأرضه خصبة، وتجود فيها زراعة النخيل والحبوب، والقطن، والتبغ، حيث إنها تعتبر أهم منطقة زراعية في اليمن.
ثانيا: إقليم المرتفعات
ويمتد من أقصى جنوب اليمن إلى أقصى شماله، ويعتبر هذا النطاق الجبلي أعلى أراضي اليمن، ويتراوح ارتفاعه بين 1800- 2000 متر فوق سطح البحر.
وبالمناسبة وبصفة عامة فهذا الإقليم يتمتع في جميع فصول السنة بجو بديع معتدل الحرارة، فكان هذا عاملا هاما في اختلاف النباتات الطبيعية والغلات الزراعية.
ثالثا: إقليم الهضبة الشرقية
تكون الهضبة الشرقية النطاق الشرقي من الهضبة القافزة التي تكون هضبة اليمن، وتمتد إلى شرق الإقليم السابق، وهي غير منتظمة السطح.
مناخ هذا الإقليم معتدل بوجه عام، وتقل المياه والنباتات به كلما اتجهنا شرقا، ويمكن القول بصفة عامة إن مقومات الزراعة في هذا الإقليم دون المستوى العام كثيرا، فيما عدا مناطق متناثرة حيث تسيل فيها مياه الوديان في مواسم الأمطار.
رابعا: الإقليم الصحراوي
يطلق على هذا الإقليم أرض الأحقاف، وهو عبارة عن هضبة صحراوية تمتد من شرق الإقليم السابق، وتكون الأطراف الغربية للنطاق الرملي للربع الخالي، ومناخ هذا الإقليم صحراوي يتصف بالجفاف والقحط، ويبدو أثر ذلك واضحا في هذا الإقليم في انعدامه من السكان.
صفحہ 8
هذا وقد أدى تنوع تضاريس اليمن إلى تنوع في مناخه علاوة على أن وقوعه في المنطقة المدارية وقربه من المسطحات المائية وتعرضه لهبوب الرياح الموسمية المحملة بالأمطار قد زاد من ذلك التنوع المناخي، يضاف إلى ذلك خصوبة التربة البركانية الذي جعل المنطقة صالحة للزراعة، ولذلك أطلق عليها اليونانيون القدماء اسم العربية السعيدة (Arabia Felix).
ويتضح مما سبق أن اليمن ليس به مساحات سهلة متصلة تسمح بوجود تجمعات بشرية كبيرة؛ إذ أن وديان اليمن وسهوله محدودة المساحة، تحدها قمم المرتفعات الجبلية فوق الهضبة أو تفصل بين بعضها البعض مناطق صحراوية قاحلة، ولهذا تختلف الكثافة السكانية في اليمن من جهة إلى أخرى، فتزداد حيث السهول والوديان وتوافر الأمطار أو المياه الجوفية، وتقل حيث تشتد وعورة الجبال ويقل الاخضرار، ونتيجة لتلك الظروف الطبيعية فقد اختلفت خصائص سكان اليمن ونشاطهم البشري، فاتصفوا بقوة الشكيمة، وضراوة الطبع، والقسوة، والشدة، وهي صفات جعلت قوة احتمالهم لخوض الحروب كبيرة، وتحت ظل هذه الظروف والخصائص البشرية أصبحت القبيلة هي الوحدة الاجتماعية، ففرض ذلك على اليمنيين نوعا معينا من السلوك جعلهم يتصفون بالحذر من كل من هو أجنبي عنهم.
وقد تميز النشاط البشري في اليمن بكون أكثر اليمنيين يعملون في مجال الزراعة، وقليل منهم من يقوم بأعمال الرعي والتجارة.
صفحہ 9
أما من ناحية التقسيم الإداري لبلاد اليمن في فترة موضوع البحث فإنه من الصعب أن أوضح حقيقة وضعه؛ لقلة المادة التاريخية اللازمة ولانصراف أغلب المراجع المعاصرة عن توضيح هذا الموضوع، ولكن برجوعنا إلى دراسة الوضع الإداري لولاية اليمن في العهد العثماني -أي في أوائل القرن السابع عشر الميلادي- وجدنا أن العثمانيين قد قسموا اليمن إلى تسعة ألوية:
صنعاء: يقال: إن سام بن نوح هو أول من اختطها، ولهذا تسمى مدينة (سام)، كما تسمى (آزال) باسم آزال بن قحطان، ويقال: إن أهل الحبشة لما رأوا المدينة مبنية بالحجارة وهي مدينة حصينة قالوا: هذه صنعة، ومعناه حصينة، فسميت صنعاء، وهي أكبر مدن اليمن وأقدمها تاريخيا.
المخا: مدينة مشهورة على ساحل البحر الأحمر بين زبيد وعدن، واشتهرت بتصدير البن إلى أوروبا وباسمها سمى الأوروبيون أفخر البن (مكا) (MOKA).
زبيد: اسم واد به مدينة يقال لها: الخصيب، ثم غلب عليها اسم الوادي أي (زبيد)، فأصحبت تلك المدينة لا تعرف إلا به، وإلى هذه المدينة ينسب العديد من العلماء.
تعز: مدينة مشهورة في سفح جبل صبر الشمالي ويرجع تاريخها إلى القرن الثالث الهجري، سكنها الصليحيون (يقال: إنهم هم الباطنية، أصحاب المذهب الإسماعيلي في اليمن آنذاك)، والرسوليون، وفيها الكثير من آثارهم.
صفحہ 10
كوكبان: جبل قرب صنعاء وإليه يضاف شبام كوكبان، وقصر كوكبان من أشهر معاقل اليمن وأمنعها، قيل: سمي كوكبان لأنه كان به قصران مطرزان بالأحجار الكريمة الثمينة والنقوش الجميلة، وكان لهما بريق بالليل كبريق الكواكب، فسميت كوكبان.
الطويلة: وتقع إلى الغرب من مدينة كوكبان في سفح جبل القرانع، وتطل من الغرب على بلاد المحويت، ومن الجنوب على بلاد حراز والحيمة، ويعمل معظم سكانها في الزراعة والتجارة.
مأرب: وتقع بين حضرموت وصنعاء، وبها سد مأرب المشهور [الذي بناه] سبأ بن يشجب بن يعرب، وقد مات قبل أن يتمه فأتمه ملوك حمير بعده.
عدن: وهي ميناء هام عند مضيق باب المندب، وهي محاطة بالجبال من ثلاث جهات: جبل شمسان (العر) من الغرب والشمال، وجبل صيرة من الجنوب الغربي، ويقال لها: عدن أبين؛ للتمييز بينها وبين عدن لاعة بجنوب بني العوام في بلاد حجة.
صهلة: ويرجح أنها صعدة -حرسها الله- الواقعة شمال صنعاء بالقرب من الحدود اليمنية السعودية، وقد ظلت هذه المدينة تحت حكم عدد كبير من الأئمة الزيدية طوال فترة زمنية طويلة.
وقد قسم العثمانيون هذه الألوية إلى أقضية، ثم قسموا كل قضاء إلى نواحي، وقسمت كل ناحية إلى عزل، وقسمت كل عزلة إلى مخاليف وقرى.
صفحہ 11
كان هذا التقسيم الإداري الذي ظهر في اليمن أثناء الحكم العثماني الأول (945 - 1045ه / 1538 - 1635م)، ويبدو أن الأئمة الزيديين -عليهم السلام- بعد استقلالهم من العثمانيين حافظوا على الكثير من التقسيمات الإدارية التي وضعها العثمانيون من قبل، وذلك لأن الإمام كان يعتمد عليها في تحديد الضرائب الإسلامية المختلفة التي فرضت على الأرض والحيوان، وعلى رؤوس الأموال، كما حافظ الأئمة -عليهم السلام- على الكثير من الوظائف والألقاب والتقاليد الإدارية الخاصة بالعثمانيين.
وكما أشرت سابقا في كون التضاريس اليمنية مختلفة أدى ذلك إلى اختلاف طبائع الناس وأعمالهم، وإلى سهولة انتشار مذاهب دينية عديدة وجدت اليمن بلدا حصينا آمنا لانتشارها.
فحتى الربع الأخير من القرن الثالث الهجري / العاشر الميلادي ساد المذهبان السنيان المالكي والحنفي في المناطق الجنوبية من اليمن، ولكن لم يقدر لهذين المذهبين أن يستمرا في تلك الأراضي لأسباب ليس هنا مجال تقصيها، وقد حل محلهما المذهب السني الشافعي، وظل الأخير سائدا في تلك المناطق حتى أواخر القرن الثالث الهجري / العاشر الميلادي، حينما دخل إلى اليمن المذهب الشيعي الزيدي الذي انتشر بعدها ليسود أغلب البلاد اليمنية، ومن جهة أخرى كان هنالك مذهب آخر يدخل ببطء وحذر، تبنته جماعة من أهل اليمن وانتشر بذلك في أوساطهم، ذاك هو المذهب الإسماعيلي الذي يعتبر مذهبا شيعيا في بعض مبادئه ومقوماته.
صفحہ 12
وسأورد فيما يلي عرضا موجزا لهذه المذاهب الثلاثة التي انتشرت في بلاد اليمن في فترة موضوع البحث، وسألقي مزيدا من الضوء على المذهب الزيدي لارتباطه بموضوع المادة.
أولا: المذهب الشافعي
وهو مذهب فقهي ينسب إلى الإمام محمد بن إدريس الشافعي أحد أعلام الفقه السني.
انتشر مذهبه في اليمن في القرن الثالث الهجري / العاشر الميلادي على أيدي عدد من علماء المذهب الذين تولوا أمر نشره وإذاعته، ومن أوائل رجال المذهب الذين ساعدوا على نشره في اليمن: القاسم بن محمد السهفني، فعن هذا الرجل انتشر المذهب الشافعي في مخلاف الجند(1) وصنعاء، وعدن، ومنه أخذ فقهاء المذهب في اليمن وقصدوه من جميع أنحائها، حيث يخبرنا ابن سمرة عمر بن علي الجعدي(2) أن:
صفحہ 13
«الشفعوية وكتبها قبل القاسم القرشي وأصحابه كانت غير مشهورة في اليمن» خصوصا في صعدة(1) ومخاليف صنعاء التي انتشرت فيهما الدعوة الزيدية، وفي نفس الوقت عرف المذهب الشافعي طريقه إلى تهامة بفضل جهود علمائه من بني أبي عقامة(2).
أما سبب انتشاره في بلاد اليمن وحلوله محل المذهبين السنيين المالكي والحنفي؛ هو أنه جاء وسطا بينهما، وجمع بين المسائل التي اختلف فيها، وذهب الشافعي إلى تعميم القياس وإعمال الرأي.
أما أهم كتب الشافعية فهي أولا تتمثل في كتب إمامها الشافعي أحد الأئمة الأربعة عند السنة، والتي تشمل: كتاب (الأم) و(المسند) في الحديث، و(أحكام القرآن) و(السنن) و(الرسالة) في أصول الفقه، و(اختلاف الحديث)، و(شروح المزني) المشهورة، وكتب الفروع لسليم بن أيوب الرازي، وذلك قبل وصول كتاب (المهذب) لأبي إسحاق الشيرازي، الذي أصبح فيما بعد معتمدهم في الفقه والفتوى.
هذا وقد صار المذهب الشافعي هو مذهب المناطق الجنوبية في اليمن، إلى أن دخلت مذاهب أخرى حكمت وانتشرت وعمل بها سلاطين الجنوب.
ومما ينبغي الإشارة إليه هنا ما ذكر الأستاذ المحقق عبد السلام الوجيه والذي نصه:
صفحہ 14
وممن أفرط في قدحه - يعني الإمام المتوكل على الله إسماعيل بن القاسم- والتحامل عليه، إسماعيل الأكوع الذي خصص جزءا كبيرا من كتابه (هجر العلم) لمحاولة النيل من هذا الإمام العظيم، ونسب إليه كذبا كتاب: (إرشاد الشافع إلى جواز أخذ أموال الشوافع)، ثم قال: «إن حكمه لليمن الأسفل اتسم بالجور» (انظر جناية الأكوع على العلماء)، مناقب المترجم له غزيرة وأخباره كثيرة، وما أشبه الأكوع وأخيه وأمثالهما، بناطح صخرة يوما ليوهنها(1).
أقول: فلا يلتفت إلى مثل هذا القدح الجائر الصادر من أولئك وأمثالهم، فقد قال تعالى: ?يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبإ فتبينوا أن تصيبوا قوما بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين? ]الحجرات: 6[ صدق الله العظيم.
ثانيا: المذهب الإسماعيلي
ينسب هذا المذهب إلى الإمام إسماعيل بن جعفر الصادق -عليهما السلام-، وقد ظهر دعاة المذهب الإسماعيلي في بلاد اليمن في القرن الثالث الهجري / العاشر الميلادي حينما بدت الإسماعيلية كتنظيم سري ثوري، يعتمد على الدعاة النشطين الذين انتشروا في أرجاء العالم الإسلامي، وقصدوا الأطراف البعيدة ليكونوا بمأمن من السلطة المركزية، وكان اليمن أحد أهم الأطراف التي قصدها دعاة ذلك المذهب.
صفحہ 15
الإسماعيلية: حركة دينية اجتماعية فلسفية سياسية، يدعون إيصال نسبهم إلى السيدة الطاهرة فاطمة الزهراء بنت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وإلى الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام، وقد زعمت الإسماعيلية أن الإمام بعد جعفر الصادق هو ابنه إسماعيل نصا عليه، واختلفوا في وفاته في حياة أبيه، فمنهم من قال: إنه أظهر موته تقية من خلفاء بني العباس، ومنهم من قال: إن الموت صحيح، ولكن النص لا يرجع القهقرى، وإن الفائدة من النص بقاء الإمامة في أولاد المنصوص عليه، فالإمام بعد إسماعيل هو محمد بن إسماعيل ولده، وذكروا أن الإمامة لا تنقل من أخ إلى أخيه بعد انتقالها من الإمام الحسن إلى أخيه الحسين عليهما السلام، وقد خالفت الموسوية أو الجعفرية (الاثنا عشرية) الإسماعيلية، فهولاء قد رأوا أن الإمام بعد جعفر الصادق هو ابنه موسى الكاظم عليه السلام(1).
قسم الإسماعيليون العالم الإسلامي إلى اثنتي عشرة جزيرة لكل منها داع مطلق.
صفحہ 16
وكانت الجزيرة اليمنية من أهم الجزائر لدى الإسماعيليين الفاطميين، كما كان انتشار التشيع والمتشيعين في بلاد اليمن سرا وعلانية على الطريقة الإسماعيلية؛ نظرا لطبيعة بلاد اليمن الجبلية الوعرة، وهذا من أهم الأسباب التي دعت الإمام الحسين بن أحمد - آخر الأئمة المستورين عندهم- إلى إرسال كل من الحسن بن فرخ بن حوشب الكوفي(1) المعروف بمنصور اليمن إلى جبال لاعة(2) غرب صنعاء، وعلي بن الفضل اليمني(3) إلى جبال يافع(4) في الجنوب، وذلك لنشر مبادئ المذهب الإسماعيلي، وحال بعد اليمن عن مركز الخلافة ووعورة طرقها، بالإضافة إلى انشغال العباسيين في هذا الوقت بثورة الزنج(1) (255 - 270ه / 868 - 883م) بين الخلافة وتوجيه الجيوش إلى اليمن لمواجهة تسرب الدعوة الفاطمية، فأدى ذلك إلى نجاح الدعاة في تدعيم ركائز المذهب الإسماعيلي في اليمن.
وقد انتشر هذا المذهب في جبال حراز(2) إلى الغرب من صنعاء، وفي نجران(3) بين بعض فئات من قبائل يام(4).
وتختلف الإسماعيلية عن الزيدية في معظم الأمور سواء كانت الأصولية أو الفرعية، ولذلك كانوا دائما في عداء مستمر مما دفع الإسماعيليين للانضمام إلى العثمانيين في صراعهم ضد الزيدية.
صفحہ 18
وقد أطلقت المؤلفات التاريخية والعقائدية على الإسماعيلية العديد من الأسماء، منها:الباطنية، القرامطة، القرمطية، الخرمية، الخرمدينية، السبعية، البابكية، المحمرة والتعليمة(1). هذا ولمن أراد معرفة المزيد عن الباطنية أصحاب المذهب الإسماعيلي مراجعة كتاب (الزيدية نظرية وتطبيق) ص143- 155 لعلي عبد الكريم الفضيل شرف الدين.
ثالثا: المذهب الزيدي
ينتسب المذهب الزيدي إلى الإمام الأعظم زيد(2)بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب(1) عليهم السلام.
صفحہ 19
أما مؤسس الإمامة الزيدية في اليمن فهو الإمام الهادي إلى الحق يحيى بن الحسين بن القاسم الرسي(2)، الذي قدم من جبل الرس بالقرب من المدينة المنورة إلى اليمن في أواخر القرن الثالث الهجري / العاشر الميلادي عام (284ه / 897م)، وبويع له من قبل أهالي اليمن في عام (288ه / 900م)، وقد ساعدوه، وتعهدوا له بالسمع والطاعة، وبنصرته على أن يحل خلافاتهم، فاستجاب لهم ولرغبتهم، وأقام عليه السلام في صعدة، ووصل إلى خولان، ودخل في صراع مع قبائلها وقبائل همدان(3) والقرامطة، وبني يعفر(4)، وبعد أن استقر في صعدة أقام الشريعة الإسلامية وضبط القواعد والمعاملات، وأرسى الأسس والدعائم القوية الثابتة التي ساعدته وخلفاءه من بعده للتصدي لأي قوة معادية لهم، كما ساهمت الظروف الطبيعية والبشرية في نجاح ذلك، هذا بالإضافة إلى العوامل التاريخية، فمنذ أن استدعى أهل اليمن الإمام الهادي -عليه السلام- إلى بلادهم ليعالج الفتن التي نشبت بينهم وليقضي على الاضطرابات التي أثارها الإسماعيليون، منذ ذلك الوقت واليمنيون ملتفون حول أئمة الزيدية لما وجدوه فيهم من عدل وإقامة جادة وحقيقية لأحكام الشريعة الإسلامية.
امتدت حدود الدولة الزيدية في اليمن إلى ما يلي صنعاء جنوبا حتى أقصى شمال اليمن، هذا كان في البداية، وعليه فلظهور الدولة الزيدية في شمال اليمن أثر كبير في ازدياد هجرة أسر الأشراف السادة إلى تلك الجهة، واتخاذها موطنا آمنا، هربا من اضطهاد الحكومة السائدة في بلدانهم.
يعتبر المذهب الزيدي أكثر المذاهب اعتدالا ووسطية وعقلانية، وعليه فقد كان المذهب الزيدي كما يقول البعض:
«سنة الشيعة وشيعة السنة».
فهو إذ نبذ التطرف من كلا الجانبين السني والشيعي، وجاء خالصا مخلصا من كل غلو وتعصب. امتثالا لقوله صلى الله عليه وآله وسلم: ((لا ضرر ولا ضرار في الإسلام)). وهذا يمثل رأي الكثيرين من العلماء والباحثين والمؤرخين على اختلاف مذاهبهم، وهو كذلك رأي المستشرقين غير المسلمين الذين تعمقوا في مبادئه ومقوماته وأسسه وتعاليمه المأخوذة من القرآن الكريم والسنة النبوية الصحيحة.
صفحہ 21
الزيدية عند الأئمة الأربعة(1)
إن الزيدية شأنهم وشأن أئمتهم هو شأن الأئمة الأربعة أنفسهم، يعملون بالقرآن الكريم، والصحيح من الأحاديث النبوية، ويمتاز آل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنهم كانوا أئمة الحق، كما يمتاز الأئمة الأربعة بذلك. عند مقلديهم.
فهذا الإمام أبو حنيفة النعمان بن ثابت كان يفتي بوجوب نصرة الإمام زيد بن علي عليه السلام، ويحمل المال إليه ويأمر بالخروج معه ونصرته، وهو الذي قال فيه: «والله لقد ضاهى - أي خروج الإمام زيد -عليه السلام- خروج رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يوم بدر»، وبعد استشهاد الحبيب زيد عليه السلام بايع أبو حنيفة الإمام إبراهيم بن عبد الله بن الحسن عليهم السلام، ومن ثم محمد بن عبدالله بن الحسن النفس الزكية عليهم السلام.
وقالت له امرأة ذات يوم: أشرت على ابني بالخروج مع إبراهيم ومحمد ابني عبد الله بن الحسن حتى قتل.
فقال: «يا ليتني كنت مكان ابنك». رواه الزمخشري.
صفحہ 22