قدرته على الصبر فى الحقيقة ، لم يكن قول موسى : ( ستجدني إن شاء الله صابرا ) جوابا له ، بل كان الذى يليق به : ستجدنى إن شاء الله مستطيعا للصبر ، فلما أجاب بذلك دل على أن المراد بالأول نفس الصبر. فكأنه قال : إنك لن تصبر ، ويثقل ذلك عليك ، فأجابه بما ذكره.
ويبين ذلك قوله لموسى : ( وكيف تصبر على ما لم تحط به خبرا ) فلو كان لا قدرة له على الصبر لكان لا يجوز أن يصبر : لا على ما عرف علته ، ولا على ما لم يعرف ، ولكان حالهما سواء. فلما بين بهذا القول أنه لا يصبر على ما يعجب ظاهره ، ولا يعرف علته علم أن المراد بالأول : ( إنك لن تستطيع ) بمعنى : أن ذلك يثقل عليك ولا يخف ، لأن المعلوم من حال الطباع أنها تحب الوقوف على علل الأمور الحادثة ، إذا كانت معجبة فى الظاهر ومشتبهة.
يبين ذلك أنه قال فى الجواب : ( لا تؤاخذني بما نسيت ) [73] ولو كان لا يقدر عليه ، لكان الأولى أن يقول : لا تؤاخذنى بما لست أقدر عليه ، لأن مع النسيان قد يقع الفعل ، ومع فقد القدرة يستحيل عليه على كل حال.
ويبين ذلك : أنه لما سئل عن سبب قتل الغلام أعاد هذا القول ، ولو لا أنه أراد بالأول أن ذلك يثقل عليه لم يكن لإعادته عليه معنى! ولكان لا يجوز أن يوبخه على ذلك! ولما صح من موسى أن يجعل العذر فى ذلك فى قوله : ( قال إن سألتك عن شيء بعدها فلا تصاحبني قد بلغت من لدني عذرا ) [76] لأنه إذا كان لا يقدر على الصبر عن ذلك فى الحقيقة ، لم يصح أن يكون هذا جوابا له ولذلك قال فى آخره : ( قال هذا فراق بيني وبينك ، سأنبئك بتأويل ما لم تستطع عليه صبرا ) [78] فبين أنه إنما أراد بالقول الأول أنه يثقل
صفحہ 477