382

وهذا جهل ؛ لأن ذلك إنما يتم على قولنا ، من حيث ثبت أنه تعالى المحسن بالحول والقوة علينا ، لكى نطيع ونجتنب المعاصى ، وعرضنا بذلك لنيل الثواب والأمانى.

فأما إذا قالوا إنه تعالى قد خذل الكفار بقوة الكفر وأضلهم بها وأعماهم ، فكيف يصح إضافة ذلك إليه تعالى ، وأن يجعل ذلك من جملة مدائحه؟

ثم يقال للقوم : إن جميع الآية يدل على قولنا فى العدل ، لأنه حكى عن نبيه عليه السلام أنه قال : ( وما أريد أن أخالفكم إلى ما أنهاكم عنه ) فبعثهم بذلك على الإيمان والقبول ، ولو كان تعالى ينهاهم عن الكفر ويخالفهم إلى فعله ، بأن يخلفه فيهم ، لكان لهم أن يقولوا : إن ربك هو (1) المقتدر على الأشياء يفعل ذلك ، فما الوجه فى أن تتبرأ منه وترغبنا بذلك فى الإيمان؟

وقوله تعالى : ( إن أريد إلا الإصلاح ما استطعت ) يدل على أن الاستطاعة قد تتقدم ، لأن ظاهر الكلام يدل على الاستقبال ، ويشترط فيه الاستطاعة الثابتة فى الحال.

ويدل على أنه تعالى لا يريد الإفساد ، لأنه لو أراده لكان لهم أن يقولوا : إذا كان من هو أقدر منك قد أراد منا الكفر والفساد ، فإرادتك الصلاح غير مؤثرة!

وقوله تعالى : ( وما توفيقي إلا بالله ) لا يصح مع القول بالجبر ، لأنه إن خلق الإيمان وأراده فوجود التوفيق كعدمه ، وكذلك إن أراد الكفر ، وإنما يصح التوفيق إذا كان العبد هو المختار لفعله ، فيوفق بالألطاف والدواعى ، ويبعث بها على اختيار الحسن.

صفحہ 383