لم تستطع روز خذلان باتريك، لم تستطع فعل ذلك، ليس بسبب مقدار ما يملك من المال، وإنما بسبب مقدار ما يقدمه لها من حب لا يمكنها تجاهله. لقد شعرت بالأسف حياله وبضرورة مساعدته في التغلب على ذلك. كان الأمر أشبه بتقدمه نحوها وسط جمع من الناس، حاملا شيئا ضخما وبسيطا ومبهرا - ربما بيضة ضخمة مصنوعة من الفضة الخالصة؛ شيء هائل في وزنه ومشكوك في استخدامه - ويعطيه لها، أو بالأحرى يدفعه نحوها متوسلا إياها رفع بعض الحمل عنه. وإذا ردته إليه، فكيف سيتحمله؟ لكن هذا التفسير أغفل شيئا ما؛ وهو ما كانت روز تشتهيه، والذي لا يتمثل في الثروة، وإنما الحب إلى درجة العبادة. كان لزاما أن يبهرها ما قدمه لها باتريك من ضخامة ووزن وبريق ما أسماه حبا (ولم تشكك هي في ذلك)، مع أنها لم تلتمسه أبدا. ورأت روز أنها من الصعب أن تحصل على هذا العرض مجددا. باتريك نفسه، بالرغم من حبه الشديد لها، كان يقر إقرارا غير مباشر بحظها الحسن في هذه العلاقة.
اعتقدت روز دوما في حدوث ذلك؛ أي في أن تنال إعجاب شخص ما ويقع في غرامها ويعييه هواها، لكنها في الوقت نفسه، اعتقدت أنه ما من أحد سيفعل ذلك، أو يرغب فيها على الإطلاق، وهذا ما بدا لها بالفعل حتى ذلك الحين. إن ما يجعل المرء مرغوبا فيه ليس ما يفعله، وإنما ما يملكه، وكيف يمكن لأحد أن يعرف ما إذا كان يملك هذا الشيء أم لا؟ كانت روز تنظر لنفسها في المرآة، وتفكر: «زوجة ... حبيبة»؛ تلك الكلمات الرقيقة الجميلة، كيف يمكن أن تنطبق عليها؟ لقد كانت معجزة؛ أو بالأحرى خطأ. كان ذلك ما حلمت به، وليس ما رغبت فيه.
أعياها الإرهاق والضيق والأرق. حاولت التفكير بإعجاب في باتريك. لقد كان وجهه النحيل ذو البشرة الناعمة الشقراء وسيما للغاية. لا بد أنه كان يتمتع بقدر من المعرفة أيضا؛ فقد كان يصحح الأبحاث، ويشرف على الاختبارات، وينهي رسالته. فاحت منه أيضا رائحة تبغ غليون وصوف خشن أحبتها روز. كان يبلغ من العمر أربعة وعشرين عاما. ما من فتاة أخرى تعرفها روز كان لديها صديق في هذا العمر.
وبعد هذه الأفكار، كانت تتذكره فجأة دون أي إنذار مسبق وهو يقول: «أعتقد أنني أفتقر في نظرك إلى ملامح الرجولة»، أو «هل تحبينني؟ هل تحبينني حقا؟» وهو ينظر إليها نظرة تدل على الخوف والتهديد. وعندما كانت تخبره أنها تحبه، كان يقول لها كم هو محظوظ، بل كم هما محظوظان! ويذكر أصدقاءه وفتياتهم، مقارنا علاقات الحب بينهم مع توضيح أن العلاقة بينه هو وروز أفضل من هذه العلاقات. تسبب ذلك في ارتعاد روز من الغضب والتعاسة ؛ لقد شعرت بالاشمئزاز من نفسها بقدر ما شعرت به منه، وشعرت بالاشمئزاز أيضا من صورتهما معا في تلك اللحظة، وهما يسيران عبر أحد متنزهات وسط المدينة المليئة بالثلج، ويدها موضوعة في يده ... أو بالأحرى في جيبه. كانت هناك أفكار غاضبة وقاسية تصرخ بداخلها. وجب عليها فعل شيء ما، لئلا تخرج تلك الأفكار وتبدو عليها، فبدأت في مداعبته وتشويقه.
أمام الباب الخلفي لمنزل الدكتورة هينشو، قبلته، وحاولت إجباره على فتح فمه، وفعلت أشياء شائنة معه. شعرت عند تقبيله لها بنعومة شفتيه وخجل لسانه. تداعى بجسده عليها بدلا من أن يمسك بها. لم تشعر بأية قوة فيه. «كم أنت جميلة، وبشرتك جميلة، وحاجباك رائعان! أنت رقيقة جدا!»
سعدت روز بسماع هذه الكلمات، كانت أي فتاة ستسعد بذلك، لكن ردها جاء تحذيريا بأن قالت له: «لست رقيقة حقا كما تظن، فأنا ضخمة.» «أنت لا تعلمين مدى حبي لك. ثمة كتاب عنوانه «الإلهة البيضاء»، كلما نظرت إلى عنوانه، تذكرتك.»
فابتعدت عنه، ثم انحنت وأمسكت بحفنة من الثلج المنجرف بجوار درجات السلم، ورمت بها على رأسه. «إلهي الأبيض!»
فهز رأسه لإنزال الثلج، واغترفت هي المزيد منه ورمته عليه. لكنه لم يضحك، وإنما أدهشه التصرف وأزعجه. مسحت بعد ذلك الثلج من على حاجبيه ولعقته من على أذنيه. كانت تضحك رغم شعورها باليأس، وليس المرح. لم تعرف ما دفعها إلى فعل ذلك.
همس باتريك قائلا لها: «الدكتورة هينشو!» كان من الممكن لصوته الشاعري الحنون الذي استخدمه للتحدث عنها بعاطفة جياشة أن يختفي تماما، ويتحول إلى احتجاج وحنق، دون أي درجات متوسطة بين الصوتين. «سوف تسمعك الدكتورة هينشو!»
فقالت له روز على نحو حالم: «تقول الدكتورة هينشو إنك شاب جدير بالاحترام؛ أظن أنها مغرمة بك.» صدقت روز في ذلك؛ فقد كان ذلك هو ما قالته الدكتورة هينشو بالفعل عن باتريك. ولم تخطئ الدكتورة بدورها في هذا الوصف. لم يتحمل باتريك الأسلوب الذي تحدثت به روز. نفخت الثلج في شعره، وقالت له: «لم لا تدخل وتفض بكارتها؟ أنا موقنة أنها لا تزال عذراء. هذه نافذتها. لم لا تذهب؟» فركت شعره، ثم أدخلت يدها في معطفه، وفركت مقدمة بنطاله، وقالت بحماس المنتصر: «أنت قوي! يا إلهي، باتريك! لديك الكثير لتقدمه للدكتورة هينشو!» لم يسبق لها قول شيء كهذا أبدا، ولم تقترب من هذا النوع من السلوك قط من قبل.
نامعلوم صفحہ