قلت: هذا الحديث لا يصلح أن يكون دليلا .. من وجوه: منها أن الاستغراق ممنوع، إذ من جملة منازل هارون كونه نبيا مع موسى، وعلي ليس بنبي باتفاق منا ومنكم، لا مع النبي ﷺ ولا بعده، فلو كانت المنازل الثابتة لهارون - ما عدا النبوة بعد النبي ﷺ - ثابتة لعلي لاقتضى أن يكون علي نبيا مع النبي ﷺ لأن النبوة معه لم تستثن وهي من منازل هارون ﵇ وإنما المستثنى النبوة بعده. وأيضا من جملة منازل هارون كونه أخا شقيقا لموسى، وعلي ليس بأخ. والعام إذا تخصص بغير الاستثناء صارت دلالته ظنية، فليحمل الكلام على منزلة واحدة كما هو ظاهر التاء التي للوحدة فتكون الإضافة للعهد وهو الأصل فيها، و(إلا) في الحديث بمعنى (لكن) كقولهم: فلان جواد إلا أنه جبان، أي لكنه، فرجعت القضية مهملة يراد منها بعض غير معين فيها، وإنما تعيينه من خارج، والمعين هو المنزلة المعهودة حين استخلف موسى هارون على بني إسرائيل، والدال على ذلك قوله تعالى: ﴿اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي﴾ (١) ومنزلة علي هي استخلافه على المدينة في غزوة تبوك. (٢)
فقال الملا باشي: والاستخلاف يدل على أنه أفضل وأنه الخليفة بعد.
فقلت: لو دل هذا على ما ذكرت لاقتضى أن ابن أم مكتوم خليفة بعد النبي ﷺ لأنه استخلفه على المدينة، واستخلف أيضا غيره، فلم خصصتم عليا بذلك دون غيره مع اشتراك الكل في الاستخلاف؟ وأيضا لو كان هذا من باب الفضائل لما وجد علي في نفسه وقال (أتجعلني مع النساء والأطفال
_________
(١) سورة الأعراف: جزء من الآية ١٤٢.
(٢) أي كاستخلاف موسى أخاه هارون لما ذهب إلى الجبل ليعود بالألواح.
1 / 26