مطالعات فی اللغہ والادب
مطالعات في اللغة والأدب
اصناف
كلا سوف تعلمون * ثم كلا سوف تعلمون ؛ ونحو: «إن بني هاشم بن المغيرة استأذنوني أن ينكحوا ابنتهم عليا فلا آذن ثم لا آذن ثم لا آذن.» وزيادة التوكيد هذه لا يقتضيها إلا المعاني التي يراد بيان شدتها وعظم تأثر النفس بها. فهل قولك: «إن الصارخة القومية والنعرة الجنسية نشأت مع الأمم وبدأت مع الأقوام مذ الكيان ومنذ الاجتماع البشري وتساكن الإنسان مع الإنسان»، وقولك: «في كل لغة وكل منطق»، وقولك: «إذا أراد الكاتب أن يجول في المواضيع الحديثة والمعاني المستجدة»، وقولك: «للغة الفرنساوية أسلوب خاص ونمط قائم بها» هل كل ذلك من المعاني التي يراد بيان شدتها وعظم تأثر النفس بها؟
انتقدت على الأمير إكثاره من المترادفات على غير حاجة إليها ولا فائدة منها، فقال إن منشوري للعامة، إن العامة يا سيدي الأمير لا تفهم منشورك، أكثرت فيه من المترادفات أم أقللت. إذا أردت أن تخاطب الجمهور فلا إخالك تنكر علي أنه يجب أن تخاطبه بلغة مفهومة تتجنب فيها مثل قولك: «الشقص الأوفر» إلا إذا كان قصدك أن تنومه لا أن تفهمه. إذا أردت أن تكثر فليس الإطناب إكثارا، كما أنه ليس الإيجاز اختصارا، قد توجز مع الإكثار ، وقد تطنب مع الاختصار، فإذا أردت أن تكثر فلا دخل للإطناب والإيجاز في إكثارك، وإنما الإكثار أن تضاعف معانيك ما شئت وشاء المقام، لا أن تضاعف ألفاظك على غير حاجة إليها ولا فائدة فيها.
انتقدت على الأمير إكثاره من المترادفات على غير حاجة إليها ولا فائدة منها فأحالني على صبح الأعشى في كلامه على التفاضل بين المساواة والإيجاز والإطناب. ليسمح لي الأمير أن أتجرأ على فضله فأقول: لا تفاضل بينها؛ لأن كلا منها غير الآخر ولأن لكل منها محلا لا يجوز أن يحل فيه غيره. وأما الكلام الوجيز الذي لا يؤمن وقوع الإشكال فيه، فهذا من الإيجاز المخل الذي أشار إليه البيانيون، ولا يجوز لعربي أن يعتمده لا مع العامة ولا مع الخاصة ...
أما الشواهد التي جاء بها على ذمة راويها دليلا على أن أسلوبه عربي، فلست أظن أنه يجهل أني لا أعجز عن أن أورد له أضعاف أضعافها لا ترادف فيها ولا تكرار من كلام من يوثق بعربيته.
كان الأولى بالأمير أن يقول إنه قد ورد في بعض أقوال العرب المنقولة إلينا على ذمة راويها شيء من الترادف، لا أن هذا أسلوب العرب، وإلا فكان يجب - على رأيه - إذا قبل رأس الحكمة مخافة الله، أن يقال ودليل العقل تقوى الخالق، وعنوان الفضل خشية الباري.
أعيذ اللغة العربية من مثل هذا.
ولكل دولة رجال ...1
كنا نظن أننا بعد الإتيان بنصوص علماء الأدب وشواهد فحول البلاغة، مثل الجاحظ والبديع الهمذاني وابن خلدون وأمثالهم، نأمن المناكرة والمكابرة ويقع التسليم بأن المترادف - هذا إذا كان ثمة مترادف حقيقي - مألوف في لغة القوم قد يأتي في الأحايين لتمكين المعنى في نفس السامع، وأن للإطناب مقامات وللإيجاز مقامات، وأن وضع الواحد منهما موضع الآخر مخل بالفصاحة التي هي المطابقة لمقتضى الحال، إلى غير ذلك، فلم نستفد شيئا ، وإذا بصاحبنا لا يعييه شيء، ولا تقف في وجهه حجة ملزمة بل كل شيء له عنده جواب مهما كان ذلك الجواب كبيرا عليه. وإذا وضعته بإزاء أولئك الأئمة الذين هم قدوة الناس في البيان قال لك ما محصله: ومن هم هؤلاء؟ ومن هو الجاحظ؟ ومن هو بديع الزمان؟ لا بل من هو علي؟ ومن هو عمر؟ ومن هو زياد ابن أبيه؟ ومن هو الحجاج؟ هؤلاء لهم مذهبهم في القول وأنا لي مذهبي ... صاحبنا أصبح صاحب مذهب، ولا غرو فلكل زمان أبطال ولكل دولة رجال.
يقع واحد في الخطأ ويقول ما لم يقله الناس، فإذا ردوه إلى القواعد واستظهروا عليه بالشواهد أجاب: هذا مذهب أولئك ولكنه ليس مذهبي.
لا تظن أنني مبالغ في شيء؛ بل أدين صاحبنا من نفس كلامه، قال: «لم يكن مقصدي الانتقاد لأجل الانتقاد ولكن لأقرر مذهبا جديدا (كذا) إذا لم يقبلوه فهم وشأنهم لهم مذهبهم ولي مذهبي.»
نامعلوم صفحہ