مطالعات فی اللغہ والادب
مطالعات في اللغة والأدب
اصناف
أيها القارئ الكريم
عرضت كتابي هذا قبل طبعه على صديقين من أهل العلم والفضل، أما الأول: فتضجر منه؛ لخروجي في مواضع كثيرة منه عن المألوف، وأما الثاني: فتفضل باستحسان ما رأى فيه من أثر الاجتهاد على ضعفه، وشجعني على طبعه. إذا كنت من رأي الأول فأرجو عفوك، وإذا كنت من رأي الثاني فأشكرك.
خليل السكاكيني
أدلة البيان في اللغة العربية1
من تدبر العلوم اللسانية في اللغة العربية؛ كالصرف والنحو، رأى أنه قد مر بها حتى الآن ثلاثة أدوار: الأول دور الاستقراء والتطبيق، استخرج النحاة الأولون فيه الجزئيات من الكليات ثم طبقوا الكليات على الجزئيات طردا وعكسا؛ مثال ذلك: استقرى النحاة الفاعل في جمل كثيرة، فقالوا الفاعل مرفوع، ثم قالوا إن لفظة «رجل» في قولنا «جاء الرجل» مثلا مرفوع؛ لأنه فاعل. الدور الثاني: دور التبويب والترتيب، كان هم كل مؤلف في هذا الدور تتبع الأحكام الكلية في مظانها، وترتيبها في فصول وأبواب أشبه بالفهارس ، ضموا فيه النظير إلى نظيره والفرع إلى أصله، ولكن لم يجئ أحد منهم بشيء جديد من عنده؛ بل اقتصروا على مذاهب البصريين والكوفيين، وذكر الراجح والمرجوح منها بلا بحث ولا نكير. الدور الثالث: دور الاجتهاد، حاول بعض المؤلفين فيه أن يخرجوا من عهدة ذلك التقليد بأن يذكروا هنا وهناك بعض آراء لم يسبقهم إليها أحد، ففتحوا بذلك باب الاجتهاد.
ولا شك أننا أصبحنا اليوم في زمان لا بد فيه من إعادة النظر في كل ما وضعه الأولون وتسلمناه منهم قضايا مقررة لا تقبل الاعتراض، وبناء ذلك على مبادئ جديدة علمية، فإن عندنا من الوسائل ما لم يكن عندهم. كان علماء اللغة في قديم الزمان لا يعرفون غير اللغة العربية، ولم يكونوا يعرفون ما يسمى اليوم بعلم مقابلة اللغات بعضها ببعض، أو ما يسمى علم تحليل اللغات أو فلسفتها؛ بلى حاول بعضهم التعرض لهذه الأبحاث، منهم أبو الفتح عثمان بن جني الموصلي في كتابيه «الخصائص في اللغة» و«سر الصناعة في النحو»، ولكن أبحاثهم كانت في عهد طفوليتها، وأما اليوم فقد ارتقت هذه العلوم وصارت خصائص اللغة وأسرارها علما بأصول، وأصبح عالم اللغة لا غنى له عن تعلم أخوات تلك اللغة؛ بل لغات أخرى عديدة قديمة وجديدة. وقد عرفت في بلاد الإنكليز وأميركا أساتذة كثيرين من علماء اللغات الشرقية يعرف الواحد منهم إلى اللغة العربية، العبرية والسريانية والحبشية والتركية والفارسية والسنسكريتية، فضلا عن اللغات الأوروبية الحديثة والقديمة إلى ما يجاوز العشر لغات. وقد لقيت في كمبردج شيخا مصريا وهو أستاذ في إحدى المدارس العالية في القطر المصري، رأى سعة معرفة أولئك الأساتذة وتبحرهم في علم اللغات، فقال في قصيدة أرسلها إلى أحد العلماء في مصر:
أنا في بلاد الإنكليز
أسير كالطفل الصغير
في كمبردج مدينة العرفان
ليس لها نظير
نامعلوم صفحہ