سدل الخمار بلمتي ونقابي (30) بعض عادات المصريات
إن لكل أمة خرافات وعادات مذمومة، نشأت فيها زمن جهالتها، ثم بقيت لاصقة بها بعد ذلك، وتكون غالبا في جهلائها، فمن عادات المصريات المذمومة: النواح والصياح في المآتم، فيلطمن وجوههن ويولولن ويلبسن الحداد مع أن هذا مخالف للأدب، وكل دين سماوي، وهن مع ذلك يتغالين فيه حتى يكاد الإنسان يظن أنهن قد أصبن في عقولهن، ولا أدري ما فائدة هذا التعب والجزع، وهو لا يبعث ميتهن، بل يزيدهن هما وألما، ويشغلهن عن إصلاح حالهن، فربما يشغل إحداهن البكاء وشدة الجزع عن النظر في شئون أطفالها أو من يجب عليها ملاحظتهم، فتتلف صحتهم وأخلاقهم، هي لاهية عنهم بما تبديه من الحزن والجزع، وهذا دليل على عدم نظرها في العواقب، وجهلها بالأمور ؛ لأنها ببكائها على من مضى تهلك من بقي معها، ولو علمت الحقيقة لتسلت عن الحزن بالجد والعمل، والسعي وراء ما يصلح أحوالها.
ومن العجيب أن المعزيات يبعثن صاحبة المصاب على كثرة الحزن والجزع، ويهولن لها الخطب، حتى إن إحداهن ربما دخلت من باب المنزل صارخة مولولة كأنها هي المصابة، فتثير أحزان أقارب الميت وتزيدهن جزعا وهما، وكان الأولى بها أن تخفف مصابهن، وتذكرهن بمن مضى من البشر، ومن أصيب من الناس؛ ليسهل عليهن الأمر، ويتركن الحزن.
وإننا نأمل أن ينجع التعليم بالفتيات فيقتدين بالرجال في الصبر، ومصادمة النوائب بقلب ساكن، وجنان ثابت، وهن ينظرن أن كثيرا من الرجال قد يفقدون أعز الناس عليهم فلا يبدون جزعا ولا تململا، لا يزالون ساكني الجأش صابرين في السراء والضراء.
ومن عادات المصريات: التغالي في زخرفة الملابس وتطريزها، وانتخاب الألوان الزاهية التي تزول بمجرد ملامستها للبدن أو تعرضها للهواء، حتى إذا زالت هذه الألوان اضطررن إلى ترك الملابس وصنع غيرها، مع كثرة ثمنها وقصر أجلها، فهن يصرفن في ذلك مالا طائلا كان الأولى صرفه فيما ينفع، كتعليم أبنائهن أو إصلاح مستقبلهن.
ولا يؤخذ من ذلك أن تهمل الفتاة في نظام ملابسها، أو تلبس من الثياب ما لا يليق بمقامها ويحفظ احترامها، بل يراد به أن تنتخب المنسوجات المتينة، والألوان الثابتة، مع بساطتها وحسن شكلها، فتظهر للناس حسن انتخابها وسداد رأيها.
ومن عادات بعضهن: كثرة الخروج والتبرج، وترك المنزل في أيدي الخادمات، يعبثن ما شئن، يبددن الأشياء، ويتلفن أخلاق الأبناء؛ لكثرة المخالطة، وربة المنزل لاهية في زيارتها من بيت إلى آخر، وهذا يعد خيانة وعدم وفاء؛ لأن الفتاة التي ترى أن الرجل يصرف نفيس أوقاته في جمع المال لراحتها كيف لا تبذل هي الجهد في حفظه وصرفه فيما يفيد الأسرة، وهو لا يكلفها كبير تعب ولا مشقة.
ومن أقبح عادات المصريات غير المتعلمات: الزار، وهو دليل على جهل من تعتقده، وميلها للأوهام والخرافات؛ لأنها تعتقد دائما أن فتاة تدخل في جسمها العفاريت فتتحرك بحركات لا تقصدها، وتتكلم بأصوات شتى زاعمة أن لكل صوت منها عفريتا مخصوصا، وكيف يحترم الإنسان فتاة قد استهوتها الشياطين، وهن مع ذلك يفتخرن به، ويصرفن فيه أموالهن، وكل عاقل يعلم أن من ادعته كاذبة في دعواها ناقصة الإدراك.
وقد يكون الزار حجر عثرة في شفاء كثير من هؤلاء المدعيات؛ لابتعادهن عن طلب الطبيب زعما أن صاحبهن الجني يغضبه شرب الأدوية، أو اتكالا على أنه يشفيهن بلا دواء، فيشتد مرضهن ويتعذر شفاؤهن، ويمتن قتيلات جهلهن وسوء تصرفهن. (31) الصديقتان
أرادت إحدى المصريات أن تذهب إلى وليمة الزار، فقابلت في طريقها صديقة لها من الغربيات، كانت تلميذة معها في المدرسة، ففرحت الغربية بمقابلتها، ومالت إليها، وكانت ممن تربين في مصر، وتمكن من اللغة العربية، وعرفن عادات المصريات، فتذكرت الفتاتان أيام الطفولية وما صرفتاه معا من لذيذ الأوقات، وأخذتا تتحدثان، وكانت المصرية لابسة ثيابا رقيقة لا تستر من جسمها إلا القليل، وقد تردت فوقها بملاءة جميلة تشف عما تحتها حتى لم تستر منه شيئا، وعلى وجهها نقاب رق حتى كاد يخفى، فقالت الغربية، مبتسمة: وددت يا صديقتي أن أعرف ما فائدة هذه الملاءة، وهذا النقاب؟ قالت: بذلك أمرنا الدين، قالت الغربية: في أي آية أمرك الله بلبس هذه الملاءة، وقد جاء في القرآن الكريم في حق المؤمنات:
نامعلوم صفحہ