وكذلك وصفه أنبياؤه ورسله لمن حاربه وأنكره، وجحد نعمته وعانده، من ذلك قول الملعون اللعين فرعون للنبيين موسى وهارون صلى الله عليهما حين دعواه إلى الإيمان بربه، والإقرار بوحدانيته، فقال مجيبا لهما مكذبا لقولهما: { فمن ربكما يا موسى } [طه: 49]، فقال موسى صلى الله عليه: { ربنا الذي أعطى كل شيء خلقه ثم هدى } [طه: 50]، فقال فرعون العمي الأعمى: { فما بال القرون الأولى } [طه: 51]، فقال موسى: { علمها عند ربي في كتاب لا يضل ربي ولا ينسى الذي جعل لكم الأرض مهدا وسلك لكم فيها سبلا وأنزل من السماء ماء فأخرجنا به أزواجا من نبات شتى كلوا وارعوا أنعامكم إن في ذلك لآيات لأولي النهى } [طه: 52: 54]، ومثل هذا شيء كثير غير قليل، فيما نزل الله من واضح التنزيل، من دلالة أنبيائه عليه، وذكرهم له بما نسبوا من فعله إليه، من ذلك قول هود صلى الله عليه لمن أرسل من الخلق إليه، حين يقول: { واتقوا الذي أمدكم بما تعلمون أمدكم بأنعام وبنين وجنات وعيون } [الشعراء: 133]. ومن ذلك قول شعيب صلى الله عليه لأصحاب الأيكة المخسرين، فيما أمرهم به من طاعة رب العالمين: { واتقوا الذي خلقكم والجبلة الأولين } [الشعراء: 184]. ومن ذلك قول إبراهيم المطهر الكريم، لعبدة الأصنام، الشاكين في الله الطغام، حين يقول صلى الله عليه: { أفرأيتم ما كنتم تعبدون أنتم وآباؤكم الأقدمون فإنهم عدو لي إلا رب العالمين الذي خلقني فهو يهدين والذي هو يطعمني ويسقين وإذا مرضت فهو يشفين والذي يميتني ثم يحيين والذي أطمع أن يغفر لي خطيئتي يوم الدين رب هب لي حكما وألحقني بالصالحين واجعل لي لسان صدق في الآخرين واجعلني من ورثة جنة النعيم } [الشعراء: 76-85]. ومن ذلك قوله صلى الله عليه لأبيه وقومه ودلالته إياهم على ربهم وربه عز وجل حين يقول: { بل ربكم رب السماوات والأرض الذي فطرهن وأنا على ذلكم من الشاهدين } [الأنبياء: 56].
فكل الأنبياء عليهم السلام يدل على ربه ذي الجلال والإكرام بآياته وفعله، وما ذرأ وأوجد من خلقه، لا بتبعيض ولا تصوير ولا تحديد، ولا بمشابهة لما خلق من العبيد، فسبحان من ليس له شبه ولا عديل، ولا ضد ولا مثيل، وهو الفرد الصمد الجليل، الذي كينونته في السماوات العلى كيكنونته في الأرض السابعة السفلى، الذي لا تراه العيون الناظرة، ولا تدركه الأوهام الخاطرة، في الدنيا ولا في الآخرة، النافذ قضاؤه، والعزيز أولياؤه، والذليل أعداؤه، المرضي لمن أرضاه، المعذب لمن عصاه، الداعي إلى دار السلام، المبتدي بالفضل والإنعام، مبيد الأحياء، وباعث الموتى، وجامع الخلق ليوم لا ريب فيه، المتكفل بالكفاية لمن توكل عليه، المتولي الموفق الهادي لمن انقطع إليه، كذلك الله أكرم الأكرمين، وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين.
صفحہ 189