والثاني: فهو إرادة الأمر وهو قوله سبحانه: { إنما أمره إذا أراد شيئا أن يقول له كن فيكون فسبحان الذي بيده ملكوت كل شيء وإليه ترجعون } [يس: 82] ومن ذلك قوله: { ومن كان مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر } [البقرة: 185] يقول سبحانه: يأمركم بما فيه التسهيل لكم، والتيسير عليكم، وكذلك كلما أراد ذو الجلال، وذو القدرة والمحال من عباده من جميع الأفعال، فإنما هو أمر ونهي من رب العالمين، يأمر به وينهى عنه جميع المخلوقين. فأما قوله سبحانه:{ إنما أمره إذا أراد شيئا أن يقول له كن فيكون } [يس: 82] فليس يتوهم أن ثمة مخاطبة من الله للعدم، وإنما ذلك منه - سبحانه وتعالى عن كل شأن شأنه - إخبار عن نفاذ قدرته، وإمضاء ما أراد من مشيئته، فتعالى من ليس له شبيه ولا عديل، ولاضد ولا مثيل، وهو الله الواحد الجليل، ذو القدرة والسلطان كما قال سبحانه في وحيه وذكر تعالى عن نفسه فقال فيما نزل من الفرقان، وبين لعباده من التبيان: { ليس كمثله شيء وهو السميع البصير } [الشورى: 12]، الذي خلق السماوات والأرض وأنزل من السماء ماء، وجعل الأرض قرارا، وجعل خلالها أنهارا، مجيب المضطرين، وكاشف السوء عن المكروبين، والمهلك لمن شاء من العالمين، والهادي في الظلمات، والرازق في كل الحالات، والباري لخلق المخلوقين، والمعيد لهم يوم الدين، والرازق لجميع عباده المرزوقين. وفيما ذكرنا من منته على خلقه ما يقول سبحانه في محكم تنزيله ووحيه، ويحتج به على عباده { أمن خلق السماوات والأرض وأنزل لكم من السماء ماء فأنبتنا به حدائق ذات بهجة ما كان لكم أن تنبتوا شجرها أإله مع الله بل هم قوم يعدلون أمن جعل الأرض قرارا وجعل خلالها أنهارا وجعل لها رواسي وجعل بين البحرين حاجزا أإله مع الله بل أكثرهم لا يعلمون أمن يجيب المضطر إذا دعاه ويكشف السوء ويجعلكم خلفاء الأرض أإله مع الله قليلا ما تذكرون أمن يهديكم في ظلمات البر والبحر ومن يرسل الرياح بشرا بين يدي رحمته أإله مع الله تعالى الله عما يشركون أمن يبدأ الخلق ثم يعيده ومن يرزقكم من السماء والأرض أإله مع الله قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين } [النمل: 60- 64].
والوجه الثالث: فهو إرادة المخلوقين، وهي بالنية والضمير تعالى عن ذلك رب العالمين، وتقدس عن مشابهة المربوبين، وإنما يحتاج إلى النية والضمير من لم يكن بعالم ولا خبير بعواقب أفعاله، ومتصرفات نوافذ أعماله، فهو ينوي ويضمر، ويدبر ما يورد ويصدر، لقلة فهمه بالعواقب، ولحاجته إلى المعين والأعوان، وإلى الآلات في كل حال وأوان، إذا أراد أن يصدر فيه من شأنه شأنا.
فالحمدلله الذي بان عن مشابهة العجزة المربوبين، وتقدس عن مماثلة المتحرفين المتصرفين، والعاقبة للمتقين، وصلى الله على محمد خاتم النبيين وإمام المرسلين، وعلى أهل بيته الطيبين.
صفحہ 177