قال: فمات في تلك الأيام رجل من الفرس تاجر طيب المال، فأوصى: أن يعطى ابن حمدون العابد المصري من ماله ألف دينار، أو عددا نحو هذا فصار إليه المال فتوسع فيه لنفسه ولجماعة من الفقراء حملهم إلى مصر.
ثم قدم من مصر فتعرض ما كان أودعه الأرض من الدنانير، فإذا بها على حسب ما وضعها، فأبضع ذلك المال أو بعضه مع جماعة من إخوانه وتجر له فيه واتسعت به الحال، وها هو ذا تراه وكان قد حمل مع نفسه من مصر إلى مكة جماعة من الفقراء في المحامل مرفهين وكان في عدادهم الشيخ أبو نزار.
وقال لي أبو نزار: إذا وصلنا إلى مكة إن شاء الله، سألت أبا عبد الله عما أخبرتك به، فيكون لك سماعا منه.
وكان أبو عبد الله بن حمدون ينبسط إلي ويحادثني في أطراف النهار في حين النزول، ويذاكرني الحديث والمحدثين، وقد كتب لي بمكة إلى أبي يعقوب بن الدخيل، فلما قدمنا مكة نزل أبو عبد الله في دار ابن الأصبهاني، ونزل أبو نزار في المسجد الحرام، لم يكن يبيت إلا في المسجد، ولا كان يزول عنه.
فقال لي أبو نزار: هل لك في المسير إلى الشيخ أبي عبد الله، لتراه وليحدثك بما حدثتك به عنه؟ فسرت معه حتى دخلنا على أبي عبد الله، فسألناه عن الحال.
ثم قال له أبو نزار: صاحبنا هذا يعني: له منك محل وذمام.
وحدثته بخبرك وخروجك إلى الصحراء بالليل، وذكرت له النداء الذي سمعت.
وأورد عليه معاني الحكايات التي حكاها لي عنه، فرأيت كأنه كره ذلك وعز عليه.
ثم تبسم إلينا وقال:
1 / 49