ولو حتى كان يجافي بذلك أحد أهم شعارات الحداثة أو أحد ابرز الحقائق الإنسانية المسلم بها والتي تعترف بأن الأدب العالمي الراقي هو نتاج الحزن البشري السامي. فروسيا كتبت من الأدب أجمل ما كتبته خلال تلك الفترة التي كانت تتخلص فيها من القيصر أو تتذكر فيها فيما بعد تضحياتها في هذه المعركة... والعرب ما كان الشعر فضيلتهم، لو أن الصحراء بطبيعتها وتركيبتها الاجتماعية كانت اسمح معهم وأرق وأكثر لطفا. وكتاب دول أمريكا اللاتينية يكتبون اليوم والعالم يستمع إليهم. ويمكن لنا أن نذهب ابعد من هذا لنقول: أن حوار الشمال والجنوب المعاصر حوار الفقراء والأغنياء يظل حوار طرشان إذا ما أخذ من زاويته السياسية، لكنه يظل حوارا فنيا من الدرجة الأولى، وهو بحق يمثل واحدا من أهم المصادر الفنية الحقيقية لأدب هذا العصر.
كل هذا يقودنا إلى استنتاج مركب يخص الشاعر في جانب منه ويخص مؤسسته الشعرية العاملية التي ينتمي إليها في الجانب الآخر. فالشاعر اكتسب تمايزه بامتلاكه للموهبة، وفيما شكل انتاجه الفني لونا جديدا هو مزيج من الأمس واليوم في مصادره وأسلوبه وتطلعاته... والواقع ان مثل هذه الألوان الفنية التي أنتجها الشعر العاملي في غير فترة هي التي كانت دائما تمد المؤسسة الشعرية العاملية بدم الاستمرار.
وإذا كنا قد سلطنا الضوء على كيفية تعامل الشاعر مع مصادر الأدب العاملي، فان الواقع يستلزم منا التنويه إلى أن الشاعر كان له إبداع آخر مع الحداثة في الأسلوب، في الكلمة الشعرية كتابة وممارسة (1).
شعره مرت له في هذا الكتاب قصيدتان رثائيتان: الأولى في الصفحة 112 من المجلد الثامن والثانية في الصفحة 445 من المجلد العاشر، وقد صدرت له مجموعة شعرية صغيرة سنة 1966 م بعنوان (في قرانا) وظلت بقية شعره مخطوطة لم تنشر.
وكان آخر ما نظمه أبياتا وجدت تحت وسادته في المستشفى نظمها وهو على فراش المرض قبيل وفاته:
بيتي على الرابية الحالمة * اشتاقه في اللحظة الحاسمة وانتشي من ذكر أحجاره * كأنني في سكرة دائمة حين رماني الداء في كوة * مظلمة كالليلة القاتمة اشتاق أن انشر اخباره * على ضفاف الموجة العائمة اشتاق أن توقد شمس الضحى * على جناح الشرفة النائمة فقبلوا أذيال أذيالها ما قام في خاطركم قائمة قال في أمير المؤمنين علي ع:
بي زهوي، فقد حضنت النهارا * واختيالا أعانق الأنوارا أنا في يومك التمنع والفيض * عطاياي من يدي غيارى قبضت راحتي على قطرات * من معانيك، تلهم الأفكارا كنت خليتها لنفسي شرابا * ثم أطلقتها، فكانت بحارا خطرة من سناك تلهم روحي... * خطرة من ضحاك تهدي الحيارى!
أي يوميك يا علي، فأدنوا... * منك زلفى، تبارك الأشعارا يوم سميت يا علي، فكان... * الكبر معناك، والعلاء شعارا كان يوما، ومكة في ضجيج * الشرك تفني أيامها استهتارا...
ولد الطفل في حمى الكعبة الطهر * فبشرى تفتقت في الصحاري تزرع القفر نعمة، والرمال * البكر، عزا، والمكرمات فخارا قدر الله أن تكون فتاها... * والمروءات تنتخي والشفارا وعلى الكوفة الجريحة يوم * صبغ الصبح من دماك احمرارا كان شهر الفرقان، في رمضان... * كل نفس به توقى العثارا ليلة القدر، والملائك أرواح * تنزلن، والقلوب عذارى لم تحرق بجمرة الدنس الغاوي * ولا ألبست هواها إزارا في خشوع الصلاة، في هدأة المحراب * والنفس تطلق الأسرارا لأب أفعى، واندس في المسجد * المحزون، وانهال مجرما غدارا وحسام ابن ملجم، يلعق الجرح * ويقتات خزيه والعارا...
ضربة! والامام يهزأ بالسم... * فكانت صلاته استغفارا ضربة! والشهيد يحتطب الخلد * وعبد العبيد يحطب نارا...
ضربة! وانطوت، لتنشر فينا... * صفحة منك تملأ الأسفارا كان عمرا ما بين يوميك، شال * الدهر كبرا، وروع الأقدارا كان عمرا يطيل من أمد الدنيا * ودنيا تطول الأعمارا شرف المنتهى، كما عظم البدء * وعزا شهادة وافتخارا!...
أي يوميك، كل ما فيك مجد... * يتعالى، ورفعة لا تجارى رائع فيهما، وتزدحم الدنيا * طوالا دهورها لا قصارا سل بها مطلع النبوة والاسلام * وادع الصحاب والأنصارا يوم بدر، وذو الفقار على * الروع، حتوف، يزلزل الكفارا ووساد الرسول، ليلة كادوا... * بالرسول افتديته إيثارا...
سل بها خيبرا، وقد هزم الشر * وهللت وازدهيت انتصارا أين ما شد من عزيمتك البكر... * فدك الحصون، والأسوارا خيبر تلك، عند مرمى حدود * زعموها وقسموها صغارا في فلسطين... عند مرمى ندائي * واليهودي مجرم لا يبارى خيبر هاهنا... وقد شوهوا القدس * وداسوا حرماتها استصغارا خيبر دارنا... ونحن بها العانون * سكنى، والضائقون جوارا وأخي النازح الملوح شلو... * بين أنياب حاضن يتضارى يطعم الكسرة التي حسبوها... * مهرت موطنا وشادت ديارا وطني ليس سلعة، في يد التجار * ذلوا وراوغوا تجارا بي عود إلى مشارف يافا... * ما تمادوا فلن اجل انتظارا وربوع الجنوب، أرضي كفاحي * ينشر المستبد فيها الدمارا خنجر في يد الفجور وشعب * اعزل ليس يرهب الفجارا وغدا سوف يزأر الخنجر الحر... * بحقي... ويقتل الجزارا!..
يا عليا، يا فيصلا في يمين الله... * يا وثبة تخوض الغمارا أنت من زرع أمتي... من عطايا * وطني... تنتخي وتحمي الذمارا هات وحد صفوفنا... واجمع * العرب سبيلا، وأمة وديارا، لا حدودا، لا ظلمة، لا سجونا * لا دخيلا بها ولا استعمارا
صفحہ 7