الخرطوم
4 / 9 / 2008
الرجل الميت
اقتسم المقاتلون حاجياته القليلة؛ أخذوا حذاءه وبذلته الحربية، حيث إن زيهم العسكري هو نفس ما يرتديه جنودنا، ولم يبقونه سوى بلباسه الداخلي المبتل بالدماء، ويبدو أنه قد جرح في إليته أو مكان قريب من هنالك، كان يقف بصعوبة بوجه منكفئ نحو الأرض، لم يرفع رأسه مطلقا لينظر إلي في عيني، أو ربما أنا الذي لم أستطع أن أرفع رأسي لأتفرس وجهه، كما أدركت فيما بعد.
لأسباب أمنية استخباراتية احتفظوا لي بموبايله، كان جهازا بسيطا من ماركة نوكيا يسمونه ريبكا، وهو منتشر بين العساكر لسعره الرخيص، ويشاع أنه قوي البنية وله بطارية تحتفظ بالطاقة الكهربائية لزمن أطول، ويستخدم أيضا للإضاءة الليلية في وسط محدود، وضعته في جيب بذلتي العسكرية مع بطاقته، دونت اسمه ورتبته العسكرية في دفتر أحوال الميدان، وهو دفتر صغير أحتفظ به وأسميه بهذا الاسم المريب، أستخدمه في حياتي اليومية كمدونة لما تمر بي من أحداث وتراوغني من أفكار، كالعادة طلبت منهم أن يحتفظوا بالأسير في مؤخرة الصندوق، ولكن الجنديين ضحكا من سذاجتي، وقال لي أكبرهم رتبة: بلكنته المحلية فيما يعني: ماذا نفعل به، لا يوجد مكان للأسرى، ليس بآخر الصندوق أو أوله، وإذا لم نقتله نحن سيقتله الآخرون.
ووضع في أذني الجملة الكريهة التي مللت سماعها، وأصاب بالغثيان كلما فكرت فيها وهي: إكرام الأسير قتله.
ثم أضاف: دعنا نتخلص من هذا الرجل الميت.
وركله بسخرية بمقدمة بندقيته، بينما ظل الرجل كما هو بائسا منكسا رأسه، يرتجف قليلا، يسيل الدم من تحت لباسه القصير في شكل خيط رفيع أحمر، شديد الاحمرار.
قلت مندهشا، محاولا ألا تلتقي عيناي بعينيه: الرجل الميت؟ - نعم، إنه ميت ميت. - إنه يمشي ويتنفس ويرتجف، كيف يكون ميتا؟
قال لي وهو يركله مرة أخرى: صدقني إنه ميت، ألم تر ميتا يمشي في حياتك ويتنفس ويرتجف؟
نامعلوم صفحہ