قلت له وأنا نائم: أسود.
قال لي في الحلم: إذا ، ما هو لون الجهات الست؟
حينها فقط تنزلت علي الأحرف الوسطي من أسماء القتلة، جاءت تعوم في سيل من الدم، أخذ يحيط بي وأنا نائم، أفادني صف الموتى في شيئين: أن الدنيا ليست زائلة، الشيء الآخر: أن الموتى لا يبتسمون. الشيء الآخر: أن ذاكرة الموتى محشوة بالأحياء، قالت لي أمي في الحلم: سوف لن تنجو من الموت، الأشجار، الطين، والهوام كلها لا تحميك، وأنت إذ تهرب من الموت تذهب إليه.
بكيت، عندما استيقظت وجدتهم جميعا يصطفون أمامي، تماما مثلما كانوا في الحلم، لم يهتم أحد بما كنت أثرثر فيه، لم يفسر أحد لي شيئا، ولم يضحكني نداء المنادي: أنت يا أحد الموتى.
الحي الجنوبي
1 / 8 / 2005
موسيقى العظم
انتهت المعركة الصغيرة التي أيضا أمنحها بكرم لقب التافهة، حيث خضناها ضد المسلحين المتمردين غرب جبل مرة بإقليم دارفور، تحت سلسلة جبلية بغيضة لا ماء فيها، لا ظل، لا حتى هواء يحرك عناد أشعة الشمس الحارقة المرابطة على مركز رءوسنا العنيدة الماكرة، ما زالت رائحة البارود تعلق في الهواء، أنين الجرحى وصرخات المصابين تتردد في الفراغ مربكة سخونة الهواء الساكن الثقيل الذي يبدو وكأنه في حداد أبدي لموت كل شيء في المكان، هذا المكان الذي كان جنة حقيقية قبل الحرب، مرهقين وخائفين من كل شيء حتى من نصرنا السريع غير المتوقع واللا مفهوم؛ حيث ظللنا نتوقع الهزيمة أو النصر الصعب، كنا محاصرين ولا خيار لدينا؛ إما الموت البطيء أو الحرب.
كادت أن تنفد ذخائرنا ووقود عرباتنا، نفد ماؤنا وطعامنا ولم يستطع الطيران فك الحصار المضروب علينا من قبل محاربين شرسين ماكرين يعرفون المكان أكثر من ثعابينه وذئابه، نسمع أصواتهم وضحكاتهم، تصيبنا رصاصاتهم ولا نراهم، وفي أول هجوم يائس منا عليهم انتصرنا، لا ندري كيف حدث هذا، ها هي جثث موتاهم، وها هم جرحاهم يصرخون، الجثامين تنتشر في كل مكان، تغرق في برك من الدم المختلط بالرمال الساخنة الصفراء، موتى من كتيبتنا وجرحى أيضا، لم نقم بعمليات الدفن بعد، بل إننا لم نقم باستجواب الأسرى الجرحى بعد، وهو الشيء الذي كان علينا إعطاؤه الأولوية لكي نقرأ ميدان المعركة قراءة جيدة، وأن نتوقع ما سوف يكون عليه الحال، وهو من أبجديات دروس العسكرية، لقد كنا مرتبكين وقلقين وأفكارنا في حالة تشتت تام، قمنا بوضع الجرحى تحت صخرة كبيرة تلتوى في شكل كهف صغير، ولكنه يمتد عميقا في الجبل، ربما استخدمته بعض الوحوش وجرا أيام أن كانت هنالك وحوش وحيوانات برية، تركنا الموتى يستأنسون بالغياب والشمس، رددنا لتأوهات جرحى المتمردين وندائهم ببعض الشتائم القلقة المتوترة، وربما الركلات، لكن موسى أو ما نسميه بموسى الرحيم قام بإسعاف كل الجرحى، لم يفرق ما بين عدو وصليح، دون استثناء، بمهارة، بسرعة، بإتقان، بمسئولية، برحمة معهودة فيه وحده، تعلم ذلك من منظمة الصليب الأحمر الدولية، هكذا كان يقول دائما، وكل شيء كان سيمضي على كل حال لولا أن الجاويش المهدي أصر على قتل أحد الجرحى الأسرى، قال إنه يستحق الموت لسبب يعرفه هو وحده وسوف لا يخبر به: زول.
قيل فيما بعد أن الأسير الجريح أشار إلى المهدي بالأصبع الوسطى.
نامعلوم صفحہ