ولا داعي إلى أن أذكر مدى استعداداتنا المتراكمة بعد ذلك للذهاب إلى تلك المنطقة المضطربة. خططنا بحرص وحذر يتبعه حرص وحذر، ولقد سمعت أن اصطحاب امرأة معنا في منتهى الخطورة، وإن كان لا مفر من ريكو؛ لأنها الشخص الرئيس، ولكن كنت أتمنى ألا تأتي معنا أكيمي على الأقل، ولكنها كانت بالفعل تشعر بالتضامن الجماعي لنا نحن الأربعة؛ لذلك لم تتزحزح عن إصرارها في المجيء. - «لو حدث أي شيء أنا الذي سأحميك. سأجهز حقنة مخدر، وإن اقترب شخص يحاول الإضرار بنا، فسأقترب منه من الخلف فجأة وأغرزها فيه. أنت تعلم إلى أي درجة أنا ماهرة جدا في إعطاء الحقن، أليس كذلك؟» - «لا يجب التفكير في أمور مستحيلة. يكفي أن تتابعينا طائعة في هدوء.»
تناقشت مع ريوئتشي وقسمنا الأعمال وبحثنا عن وسيط، وطلبت من صحافي في مجلة أسبوعية - توثقت علاقتي به بعد أن كتب تقريرا صحفيا عن التحليل النفسي - فعرفنا على دليل يحمينا وسط القلاقل. كان ذلك الدليل له نفوذ قوي في منطقة «صن يا» ويعرف جيدا المتعهد بتوريد عمال اليومية، وقبل طلبنا بقوة قائلا: «إن كنت تبحث عن شخص فلقد طلب مني، من قبل، ذلك الأمر كثيرا، ومن المؤكد أنني سأستطيع العثور عليه.»
وهكذا شاءت الأقدار أن أذهب في رحلة استقصاء في الطبقة الدنيا من المجتمع بعيدا عن تخصصي، فأخرج من غرفة التحليل النفسي الآمنة وأقتحم أعماق العالم الإنساني الخطر. وعندما فكرت في الأمر وجدت أنه بالنسبة لنا - نحن أطباء التحليل النفسي - ربما تكون فرصة لا نحلم بها، أن نتطلع إلى الخطر القلبي الكامن في قاع اللاوعي الإنساني مقارنة بالخطر الكامن، في قاع المجتمع؛ على الشر الكامن في أعماق الإنسانية، مقارنة بالشر المتشابك في الطبقات الدنيا من المجتمع؛ على باطن القلب الإنساني وباطن قلب المجتمع سواء بسواء. وذلك لأن الأمر يشبه تماما العقل الباطن لكل فرد على حدة، فتعلن الطبقات الدنيا من تركيبة المجتمع، بغير تحفظ، عن الرغبات التي لا يمكن إخراجها والإعلان عنها مطلقا في سطح المجتمع الظاهر. ويظهر الوجه القبيح المكشوف لأحلام البشر الجامحة التي لا تتقيد بالقوانين ولا بتقاليد وأعراف المجتمع. وفي نفس الوقت تتراكم هناك أنواع عديدة من عدم التكيف مع المجتمع. وهي نفسها التي تجعل ظواهر الانتكاسات المتنوعة تعشعش داخل أحلام الإنسان المجتمعي.
في يوم من منتصف سبتمبر، تنكرنا نحن الأربعة في ملابس قذرة بقدر الإمكان، وتجمعنا في الثامنة مساء لمقابلة الدليل بمقهى في إحدى الضواحي.
في البداية ضحكنا، وانتقد كل منا المظهر الذي تنكر فيه الآخرون.
لقد لبست أنا بنطالا أزرق يرتديه العمال مع قميص مفتوح الياقة مليء بالتجاعيد أخرجته من عمق خزانة الملابس، وكانت أكيمي بلا مساحيق وجه تماما، وارتدت بنطالا سيرج واسعا أسود متواضعا وبلوزة رمادية اللون، ولقد بدونا، على الأرجح، كأننا زوج وزوجة من فناني الطبقة العليا المنهارة.
وعلى العكس من ذلك، لف ريوئتشي، عضو فريق التجديف السابق، على بطنه شاشا فوق قميص منكمشة ياقته مقفل بأزرار، ولبس بنطالا نيكابوكرز وحذاء العمال الطويل، ليبدو، بهذا الشكل، كأحد عمال الأشغال البدنية الذين يعملون باليومية، لدرجة أنني أنا شخصيا اطمأننت؛ لأنني شعرت أنني حصلت على حارس شخصي جيد.
أما ريكو التي محت تماما أي أثر لمساحيق الوجه وشدت شعرها للخلف، فقد ارتدت سترة علوية قديمة بلون أخضر من التي تلبس فوق الملابس أثناء العمل الإداري، ولبست حذاء مطاطا بدون جورب، مما جعلني أعيد اكتشاف جمالها المدهش. بدت كأنها لم تفقد أي صفة من صفات العذارى حيث فقد وجهها ملامح التجهم الدائمة فأصبح ملائكيا جدا، لدرجة الشعور أن جمال بشرتها الطبيعية تلك لا يمكن الحصول عليه بسهولة. وطبقا لطريقة التفكير، فربما يمكن القول إن تلك المرأة المصابة بالبرود الجنسي المكثف لم تتلوث، حتى النهاية، من حقائق الواقع في هذه الحياة (ومن ضمن ذلك تلك الليلة المرعبة مع شقيقها).
أخيرا جاء الدليل - وهو رجل في منتصف العمر - وألقى علينا التحية. كان هو أيضا يرتدي ملابس بالية، ولكنها بدت طبيعية وتلقائية جدا، وتختلف تماما عن هيئتنا نحن طابور المفرطين في التنكر. - «هل يمكن أن يكون شقيق مثل هذه الفتاة الجميلة موجودا في «صن يا»؟ إنه أمر لا يصدق.»
قال ذلك ثم نصحها بوضع نظارة طبية لكي تخفي جمالها الباهر هذا ولو قليلا. ولقد اندهشت عندما رأيت ريكو تخرج من جيب السترة الداخلي نظارة طبية شفافة وتضعها على عينيها عندما قيل لها ذلك.
نامعلوم صفحہ