أي إنها تعيش حياة جيدة ولا تأمل في حياة أفضل منها. تستخدم مرتب الشركة في مصاريفها اليومية، وليس عليها واجب إرسال دعم مالي لأهلها في بلدتها، بل هم الذين يرسلون إليها تكاليف معيشتها المرفهة. على ما يبدو أن والدها لم يستطع التخلي تماما عن فكرة أن حصولها على حياة مترفة قادر على حمايتها من الوقوع في الخطأ.
ولكن بعد أن دخل الخريف - إضافة إلى فقدان الشهية والغثيان - بدأت الرجفة التي ظهرت عليها، منذ قليل، تهاجمها. «إنه أمر غريب جدا! وكأن وجهي يتحرك من نفسه حتى قبل أن أنتبه أنا إلى ذلك.»
إن هذا تعبير نفسي ماهر جدا ويبرهن على قدراتها العقلية والمعرفية الجيدة، ولكن أثناء قولها هذا أيضا سرت الرجفة على وجهها. أحسست كأن ريكو تغمز لي بعينها؛ لأنها في محاولتها لمقاومة الرجفة ظلت تحافظ على ابتسامة جامدة. وهكذا كلما حاولت أن تتفادى حدوث تلك الرجفة، كانت تحدث رغما عنها. وتلك هي مشاكسة الإرادة العكسية للهيستيريا التقليدية.
وأثناء ذلك بدأت ريكو فجأة في قول أمر مبهم وغامض تماما: «ما السبب يا دكتور؟ إنني لا أستطيع سماع الموسيقى!»
3
وعندما سألتها ماذا تعني؟ قالت إنها عندما تسمع تمثيلية إذاعية، مثلا، فإنها تسمع جزء الحوار بوضوح تام، ولكن الموسيقى المصاحبة للحوار تختفي تماما من الأذن مثلما تختفي الشمس فجأة خلف سحابة غيم، وتصبح منعزلة. ماذا إذن عن البرامج الموسيقية فقط من البداية التي تذيع الموسيقى؟ تقول: في اللحظة التي تعتقد فيها أن الموسيقى ستبدأ، لا تسمع شيئا مهما رفعت درجة الصوت عاليا، وبعد مرور فترة من الوقت عندما يبدأ شرح وتقديم الفقرة التالية يعود إليها السمع بوضوح؛ بمعنى أنها عندما يطرأ مفهوم الموسيقى على ذهنها مرة، تختفي الموسيقى في تلك اللحظة؛ أي إن مفهوم الموسيقى نفسه هو الذي يعوق سماعها.
ولأن هذا القول كان هذيانا عجيبا جدا، فقد أيقظ لدي الرغبة في إجراء تجربة سريعة. فذهبت وأحضرت جهاز المذياع من الممرضة وعدت به، وجربت أن أديره على محطات الإذاعة المختلفة. إحدى الإذاعات كانت تذيع دورس تعليم اللغة الإنجليزية، وسمعت أذنا ريكو تلك الدروس بوضوح.
أدرت المحطات أكثر، وعندما قفزت فجأة من إحدى الإذاعات موسيقى لاتينية صاخبة، أظهرت ريكو على وجهها للحظة مشاعر حيرة تمتلئ بالقلق المريب يشبه تلك التي تظهر عند محاولة تفادي السيارات في طريق مزدحم. لم تكن تلك تعبيرات عين لا تستطيع السمع من البداية، بل إنها تعطي انطباعا أنها تعبيرات نتجت من اختيار بين الخيارات التي تقول: «آه! ما عساني أفعل؟ أأسمح لنفسي بسماع تلك الموسيقى، أم لا أسمح لها؟»
ولكن في خلال لحظة واحدة كان من الواضح أنها لا تستطيع سماع الموسيقى. لقد فقد وجهها حيويته ونضارته، وأصبحت عيناها مفتوحتين على وسعهما بعدمية تجاه الصمت.
وعلى الفور امتلأت عينا ريكو الصافيتان تلك بدموع منهمرة كأن عينيها ستخرجان معها ... ... لقد كانت نيتي أن أبدأ في تطبيق طريقة العلاج من خلال تداعي الأفكار الحر من الجلسة القادمة؛ إن لم يكن ذلك ممكنا من الجلسة الأولى. ولكنني فكرت أن أحد طرق العلاج هو السؤال المباشر بدون مقدمات، والحصول منها على أجوبة قبل إعطاء المريض وقتا أثناء وجوده في تلك الحالة من اضطراب المشاعر؛ لكي يشعر بالعداء تجاه محلله النفسي. وذلك لأنها تعاني من أعراض جعلت البروفيسور «ف» نفسه - الذي يؤكد على ضرورة استخدام طريقة تداعي الأفكار الحر بدون الاعتماد على الأسئلة في الجلسات الأولى من العلاج - يستخدم في إحدى المرات هذه الطريقة العكسية، ويحقق بها نتيجة باهرة. «نعود إلى ما ذكرته منذ قليل عن احتمالية الحمل، هل العلاقة مستمرة حتى الآن مع ذلك الرجل؟» «أجل.»
نامعلوم صفحہ