ثم أخيرا في الليلة الثالثة، دعا الشاب ريكو إلى غرفته، وبعد أن سكر بالخمر سكرا شديدا، بدأ يقول لها ما يلي: «إنني أعرف سبب اهتمامك بي إلى تلك الدرجة. فأنت مريضة بأحد أنواع الهيستيريا أو الانهيار العصبي، أليس كذلك؟ ربما أنا أيضا مريض بأحد أنواع الانهيار العصبي. بمعنى أنك تريدين شخصا تنسجمين معه في الحوار تماما، أليس كذلك؟ والأرجح أنك حاولت الانتحار وفشلت.» - «لا تمزح. إنني ليس فقط لم أحاول الانتحار، بل إنني لا أفكر فيه مطلقا.» - «على رسلك. إن لم ترغبي في القول فلا مانع من عدم القول. إنني أكره جدا الموت بعد البوح بعاري، ولكن لسبب مجهول أشعر أنني أستطيع أن أبوح لك أنت فقط بذلك. إنني وحش. لست بشرا عاديا.» - «حقا؟ ومع ذلك الوجه اللطيف؟!» - «لا تخلطي الأمور!»
بعد ذلك أخذ الشاب يشرح مستخدما تشبيهات متعددة من البلاغة الأدبية التي يبرع فيها مثل أنه «دلاة جليدية»، أو أنه «قطعة مكسورة من حفرية ماموث»، أو أنه «وحش آلي شفاف يملك فقط وعيه الذاتي» أو أنه «الرجل الأخير في البشرية»، وبالتأكيد لم تفهم ريكو ما يعنيه ذلك.
فضحكت أخيرا وقالت: «إن كنت أنت الرجل الأخير في البشرية، فأنا أيضا المرأة الأخيرة في البشرية.»
ومن مجرد النظر فقط إلى استطاعته الإقامة في هذا الفندق كل تلك الليالي يجعلنا نعتقد أن ذلك الشاب من الأغنياء، والساعة التي يلبسها أيضا ساعة فاخرة وغالية الثمن، والغرفة التي يقيم فيها كانت أكبر حجما من غرفة ريكو.
فكرت ريكو أن تضغط لمرة ثانية من جانبها فتسأله آخر سؤال وقح، ولكنها صبرت وانتظرت أن يعترف الشاب من نفسه. وفي وقت متأخر من تلك الليلة، وفي نهاية هذيان كثير من الكلام، اعترف الشاب أنه عنين وأنه جاء إلى هذا المكان لكي ينتحر، ثم بكى بحرقة ودفن وجهه في السرير. ... ... ...
عندما واصلت القراءة حتى هنا، شعرت في الواقع بمشاعر استياء لا توصف. الرسالة بأكملها بارعة في تكوينها من البداية الرومانسية إلى النهاية الكوميدية، ولكن لقاء امرأة مصابة بالبرود الجنسي مع رجل عنين كان أمرا يثير الغضب الشديد من تعاملها معي على أنني غبي.
لا شك أن تلك الرسالة عبارة عن أوهام رسمها خيال امرأة في رحلة بمفردها. وحتى إن افترضنا أن محاولتها العابثة ذاتها لخداعي بالكذب علي، ليست شريرة بدرجة كبيرة، ولكنني في الواقع شعرت بخباثة منفرة في احتقار المرأة الباردة جنسيا والرجل العنين وتصويرهما في مشهد كاريكاتوري هزلي بلا داع. إنها تجعل من البشر دمى تلعب بها. ثم إذا حدث وكانت تلك الوقائع التي من المستحيل حدوثها قد حدثت بالفعل، فإن إلحاحها بالسؤال من أجل أن تفضح عنة ذلك الشاب عبر تذرعها ببرودها الجنسي، يظهر سلوكا لا إنسانيا تجاه البشر. أين القديسة التي كانت داخلها حتى وقت قريب؟
إن كان ثمة حقيقة في تلك الحكاية، فهي في تلك اللحظة الأولى التي نزلت فيها إلى البحر من الطريق الجبلي الخطر الذي بجانب حمام السباحة ورأت فيها ظل الرجل الذي يشبه هيئة طائر الغاق فوق قمة الصخور على شاطئ البحر. وربما أنها اعتقدت في البداية أنها ترى شبحها هي في ملابس الحداد. ثم في اللحظة التالية وبقوة حدس لا تصل إليها حيل الآخرين، أدركت أن ظل البشري الذي يشبه طائر الغاق الأسود هذا، رجل عنين.
والباقي كله مجرد تمثيلية رديئة وغبية، واعترافات الشاب السكران هو مشهد مستحيل أن يحدث. إن الشاب في مثل تلك الحالة كلما سكر زاد ذهنه اتقادا ووعيا، ولا ريب أنه يذهب إلى مكان بعيد عن الاعتراف بالحقيقة بعدا لا نهائيا.
ولكن أنا الذي أومن بحدسها فقط، أفكر أنه داخل هذا الخطاب الطويل، لم يحدث حقا إلا المنظر في الجزء الذي أشرت إليه فقط. فهو لقاء حتمي أكثر منه صدفة. الشيء الوحيد فقط المؤكد وسط منظر البحر وصوت ضحكات الناس الصاخبة، والأمواج الخضراء المتفاقمة، هو أن التعاسة تتعرف إلى التعاسة والنقص يميز النقص. بل إن البشر يتعرفون دائما بعضهم على بعض بتلك الطريقة.
نامعلوم صفحہ