مشکلہ العلوم الانسانیہ
مشكلة العلوم الإنسانية: تقنينها وإمكانية حلها
اصناف
ويؤكد أينشتين تأكيدا حاسما أن الوقائع التجريبية بمفردها تظل عديمة النفع للباحث ما لم يهتد إلى قاعدة لاستنباطاته.
4
هذه النظرة تستخدم الملاحظة.
إن المنهج الاستقرائي يساوق التفسير الميكانيكي للكون ومبدأه الحتمي، وأيضا يماثله من حيث كونه افتراضا ساد مرحلة مر بها العقل العلمي، كانت مهمة وضرورية في أوانها، ولكن به وبها المزالق والأخطاء والقصورات المعرفية التي تتكشف للعقل العلمي أثناء سيره، أو تقدمه المطرد، فوجب أن يتجاوزها بعد أن أدت دورها، واستنفدت مقتضياتها، ودواعيها، وارتفع التقدم العلمي الذي هو ثوري، إلى مرحلة أعلى مختلفة عن سابقتها، الحق أن استيعاب الإبستمولوجيا العلمية المعاصرة يرتهن بالرفض المنطقي لمنهاج الاستقراء، وليس هذا أمرا يسيرا؛ لأن الاستقراء أكد حركة العلم الحديث وتأكد بها. •••
فقد انبثق العلم الحديث في مرحلة حضارية ومعرفية تأتت في أعقاب العصور الوسطى، وكانت عصورا دينية حددت معالمها كتب سماوية منزلة، تنطوي على حقائق مسلم بصحتها ويقينها، فيمكن أن نقتصر على استنباط ما يلزم عنها، فكان منهج البحث المهيمن على هذا العصر هو القياس الأرسطي: منهج استنباط القضايا الجزئية التي تلزم عن المقدمات الكلية المطروحة والمتضمنة فيها، ولا جديد، ولا مساس بآفاق المجهول في الواقع الحي.
واقترن إغلاق أبواب العصور الوسطى، وإشراقة العصر الحديث بالضيق البالغ منتهاه من منطق أرسطو (الأورجانون: أداة الفكر)، والبحث عن منهج جديد يلائم روح العصر الجديد، والمنهج الغالب على العصور الوسطى كان استنباطا، أي أنه استدلال هابط من كليات إلى جزئيات، ولكنه كان استنباطا يتطرف في التنظير والعزوف عن التجريب، فتمخض في العصر الحديث عن رد فعل معاكس في الاتجاه، ومساو في المقدار ألا وهو الاستقراء: الضد المنهجي الصريح للاستنباط، الاستقراء معاكس في الاتجاه؛ لأنه تجريب خالص واستدلال صاعد يبدأ من جزئيات، ويصعد منها إلى نتيجة أوسع: قانون عام ينطبق على ما لوحظ وما لم يلاحظ من جزئيات مماثلة في أي زمان ومكان.
وهو مساو في المقدار من حيث إن تطرف العصور الوسطى في التنظير والعزوف عن التجريب يساويه تطرف العصر الحديث في الاتجاه المضاد: التجريب الخالص والاعتماد على معطيات الحواس، والعزوف عن تنظيرات العقل التي أثبتت العصور الوسطى عقمها حين دارت في متاهاتها المنبتة الصلة بالواقع الحي، هكذا بدا للعقلية الناهضة آنذاك أن شق الطريق الحديث للعلم الحديث إنما يعتمد على نبذ القياس الأرسطي والاستنباطات العقلية طرا وسلك الطريق العكسي وهو الاستقراء، أي البدء بالملاحظة، ثم تعميمها. فيقول برتراند راسل: «لم يكن الصراع بين جاليليو ومحاكم التفتيش صراعا بين الفكر الحر والتعصب، أو بين العلم والدين، بل كان صراعا بين الاستنباط والاستقراء.»
5
هنا لا بد من العروج على العوامل الخارجية لنشأة العلم التي دفعت مرحلته السابقة إلى فرضية الاستقراء الزائفة، فحين كان العلم الحديث يشق أولى خطواته الغضة في القرنين السادس عشر والسابع عشر لم يكن يتفتح كالزهر، بل كان ينبجس كالدم، تفاصيل الصراع الدامي بينه وبين السلطة المعرفية التي كانت آنذاك لا تزال في يد رجال الكنيسة معروفة جيدا، رجال الدين استمدوا سلطانهم هذا، لا لأنهم مبدعون أو يفترضون فروضا جريئة، بل العكس تماما؛ لأنهم فقط أقدر البشر طرا على قراءة الكتاب المقدس، ولكي يستطيع رجال العلم احتلال مواقع معرفية والاستقلال بنشاطهم، بدا من الحمق الصراح والخسران المبين إقحام فكرة الفرض صنيعة العقل الإنساني الخطاء القاصر في المواجهة مع رجال الدين المتوسلين بالكتاب المقدس والحقائق الإلهية، فأصر العلماء على أنهم هم الآخرون أقدر البشر طرا على قراءة كتاب آخر لا يقل عن الأناجيل عظمة، ولا دلالة على قدرة الرب، وبديع صنعه، إنه كتاب الطبيعة المجيد، وأصبح تعبير «قراءة كتاب الطبيعة المجيد»
6
نامعلوم صفحہ