مروج الذهب ومعادن الجوهر
مروج الذهب ومعادن الجوهر
وقال أحد شعراء الفرس يذكر أنه من ولد إسحاق، وأن إسحاق هو المسمى ويرك، على حسب ما قدمنا قبل، من كلمة له: أبونا ويرك، وبه أسامي ... إذا فخر المفاخر بالولاده
أبونا ويرك عبد رسول ... له شرف الرسالة والزهاده
فمن مثلي إذا افتخرت قرون ... وبيتي مثل واسطة القلاده ؟
ومن الفرس من يزعم أن ويرك هو ابن أيرك بن بورك بن سبع نسوة تولدن من غير ذكر إلى أن يلحقن في نسبهن بأيرج بن أفريدون، وهذا مما يدفعه العقل، ويأباه الحس، ويخرج عن العادة، وتنبو عنه المشاهدة، إلا ما خص الله تعالى به السيد المسيح عيسى بن مريم عليه السلام ليرى آياته ودلائله الخارجة عن العادة، وعما ذكرنا من المشاهدات. وللفرس ههنا منازعات في نسب منوشهر، واضطراب في كيفية إلحاقه بأفريمون وفي وطء أفريدون لبنت أيرج، ووطئه بنت البنت إلى السبع منهن وقد كان بين ملك منوشهر على ما ذكرنا وبين ملك أفريدون مدةخلت من الدهر، وعدة من الملوك؛ لتخرب كان بإقليم بابل، وعدم ذي همة تنقاد إليه المملكة ويستقيم له الملك، وتجتمع عليه الكلمة، فانتقل الملك من ولد أفريدون إلى ولد إسحاق.فإن كان كل ما ذكرنا هو المعول عليه من قول هذه الطائفة فيجب على ما يوجبه الحساب أن من كيومرث إلى انتقال الملك إلى ولد إسحاق ألفا وتسعمائة واثنتين وعشرين سنة، كذلك وجدت في كتب تواريخ هذه الطائفة بأرض فارس وبلاد كرمان.
قال المسعودي: وقد افتخر بعض أبناء الفرس بعد التسعين والمائتين بجده إسحاق بن إبراهيم الخليل، على ولد إسماعيل، بأن الذبيح كان إسحاق دون إسماعيل، فقال من كلمة له:
قل لبني هاجرأبنت لكم ... ما هذه الكبرياء والعظمة ؟
ألم تكن في القديم أمكم ... لأمنا سارة الجمال أمه
والملك فينا والأنبياء لنا ... إن تنكروا ذاك توجدوا ظلمه
إسحاق كان الذبيح، قد أجمع الناس عليه إلا ادعاء لمه حتى إذا ما محمد أظهر الدين وجلى بنوره الظلمه قلتم:
قريش الأحساب مفخرة ... أصل لنا، إن كنتم بنيه فمه
أمابنويعرب فليسواكمن ... أسكنه الله آمتاحرمه
ولا كأبناء فارس، وهم ... في الأرض مثل الأسودفي الأجمه
وهي قصيدة طويلة، ذكر فيها كلاما كثيرا لم يسعنا ذكره، وقد أجابه عبد الله بن المعتز. وكان قائل هذه القصيدة في عصره، وعمر إلى أن مضت الثلثمائة، يناقضه في أبيات منها؛ فمن ذلك قوله:
أسمع صوتا ولا أرى أحدا ... من ذا الشقي الذي أباح دمه
حاشا لإسحاق أن يكون لكم ... أبا، وإن كنتم بنيه فمه
قولالكلب يرى لبطشته ... قدفغرالليث للفراس فمه
والفرس لا تنقاد إلى القوك بأن الملك كان فيها لأحد غير ولد أفريدون في عصر من الأعصار فيما سلف وخلف إلى أن زال عنهم الملك، إلا أن يكون دخل عليهم داخل على طريق الغصب بغير حق.
الفرس يحجون البيت
وقد كانت أسلاف الفرس تقصد البيت الحرام، وتطوف به، تعظيماله، ولجدها إبراهيم عليه السلام، وتمسكا بهديه، وحفظا لأنسابها، وكان آخر من حج منهم ساسان بن بابك وهو جد أردشير بن بابك، وهو أول ملوك ساسان وأبوهم الذي يرجعون إليه كرجوع المروانية إلى مروان بن الحكم، وخلفاء العباسيين إلى العباس بن عبد المطلب، ولم يل الفرس الثانية أحد إلا من ولد أردشير بن بابك هذا، فكان ساسان إذا أتى البيت طاف به وزمزم على بئر إسماعيل، فقيل: إنما سميت زمزم لزمزمته عليها، هو وغيره من فارس، وهذا يدل على ترادف كثرة هذا الفعل منهم على هذه البئر، وفي ذلك يقول الشاعر في قديم الزمان:
زمزمت الفرس على زمزم ... وذاك من سالفها الأقدم
وقد أفتخر بعض شعراء الفرس يعد ظهور الإسلام بذلك، فقال من كلمة:
ومازلنانحج البيت قدما ... ونلقي بالأباطح آمنينا
وساسان بن بابك سارحتى ... أتى البيت العتيق يطوف دينا
صفحہ 103