وكلم الله موسى تكليما، وشد عضده بأخيه هارون، وبعثهما إلى فرعون، فخالفهما، فأغرق الله عز وجل فرعون، وأمره الله عز وجل بالخروج ببني إسرائيل إلى التيه، وكان عددهم ستمائة ألف بالغ دون من ليس ببالغ، وكانت الألواح التي أنزلها الله على موسى بن عمران على جبل طور سيناء من زمرد أخضر فيها كتابة بالذهب، فلما نزل من الجبل رأى قوما من بني إسرائيل قد اعتكفا على عبادة عجل لهم، فارتعد، فسقطت الألواح من يده، فتكسرت، فجمعها وأودعها تابوت السكينة مع غيرها وجعله في الهيكل، وكان هارون كاهنا؛ وهو قيم الهيكل وأتم الله عزوجل نزول التوراة على موسى بن عمران وهو في التيه، وقبض الله هارون في التيه فدفن في جبل وموات من نحو جبل الشراة مما يلي الطور، وقبره مشهور في مغارة عادية يسمع منها في بعض الليالي عوقي عظيم يجزع منه كل فيى روح، وقيل: إنه غير مدفن، بل هو موضوع في تلك المغارة، ولهذا الموضع خبر عجيب قد ذكرناه في كتابنا أخبار الزمان عن الأمم الماضية والممالك الداثرة ومن وصل إلى هذا الموضع علم ما وصفنا، وكان ذلك قبل وفاة نوسى بسبعة أشهر، وقبض الله هارون وهو ابن مائة وثلاث وعشرين سنة، وقيل: إنه قبض وهو ابق مائة وعشرين، وقيل: إن موسى قبض بعد وفاة هارون بثلاث سنين، وإنه خرج إلى الشام وكان له بها حروب من سرايا كانوا يسرونها من البر إلى العماليق والقربانيين والمدنيين وغييرهم ممن كانوا بالشام وغيرهم من الطوائف على حسب مافي التوراة، وأنزل الله عز وجل على موسى عشر صحف، فاستتم مائة صحيفة، ثم أنزل الله عليه التوراة بالعبرانية وفيها الأمر والنهي والتحريم والتحليل والسنن والأحكام، وذنك في خمسة أسفار، والسفر يريدون به الصحيفة، وكان موسى قد ضرب التابوت الذي فيه السكينة من الذهب من ستماتة ألف مثقال وسبعمائة وخمسين مثقالا،
فصار الكاهن بعد هارون يوشع بن نون بن سبط يوسف، وقبض الله موسى وهو ابن عشرين ومائة سنة، ولم يحدث لموسى ولا لهارون شيء من الشيب، ولا حالا عن صفة الشباب. ولما قبض الله عز وجل موسى بن عمران سار يوشع بن نون ببني إسرائيل إلى بلاد الشام، وقد كان غلب عليها الجبابرة من ملوك العماليق وغيرهم من ملوك الشام، فأسرى إليهم يوشع بن نون سرايا، وكانت له معهم وقائع، فافتتح بلاد أريحاء وزغر من أرض الغور، وهي أرض البحيرة المنتنة التي لا تقبل الغرقى، ولا يتكون فيها ف روح من سمك ولا عيزه، وقد ذكرها صاحب المنطق وغيره من الفلاسفة ومن تقدم وتأخر من عصره، وإليها ينتهي ماء بحيرة طبرية، وهو الأردن، وبدء ماء بحيرة طبرية من بحيرة كفرلى والقرعون من أرض دمشق، فإذا انتهى مصب نهر الأردن إلى البحيرة المنتنة خرقها وانتهى إلى وسطها متميزا عن مائها فيغوص في وسطها، وهو نهر عظيم، فلا يدري أين غاص من غير أن يزيد في البحيرة ولا ينقص منها، ولهذه البحيرة أعني المنتنة أخبار عجيبة وأقاصيص طويلة، وقد أتينا على ذلك في كتابنا أخبار الزمان عن الأمم الماضية والملوك الداثرة وذكرنا أخبار الأحجار التي تخرج منها على صورة البطيخ على شكلين، ويعرف الواحد منها بالحجر اليهودي، وذكرته الفلاسفة، واستعمله أهل الطب لمن به وجع الحصاة في المثانة، وهو نوعان: ذكر، وأنثى، فالذكر للرجال، والأنثى للنساء، ومن هذه البحيرة يخرج الغبار المعروف بالحمرة، وليس في الدنيا والله أعلم بحيرة لا يتكون فيها ف روح من سمك وغيره إلا هذه البحيرة، وبحيرة ركبتها ببلاد أفربيجان بين مدينة إرمينية والمراغة، وهي المعروفة هنا بكبودان، وقد ذكر الناس ممن تقدم عذر عدم تكون الحيوان في البحيرة المنتنة، ولم يتعرضوا لبحيرة كبودان، وينبغي على قياس قولهم أفي تكون علتهما واحدة.
صفحہ 15