مروج الذهب ومعادن الجوهر
مروج الذهب ومعادن الجوهر
المجلس: أيأذن لي الأمير في مخاطبته؟ قال: شأنك: فأقبل على القبطي مسائلا له، فقال له القبطي: وما أنت أيها الرجل؟ وما نحلتك؟ فقال له: يهودي، فقال له: مجوسي إذا!؟ قال له: كيف ذلك وهو يهودي؟ قال: لأنهم يرون نكاح البنات في بعض الحالات، إذ كان في دينهم أن الأخ يتزوج بنت أخيه، وعليهم أن يتزوجوا نساء أخوتهم إذا ماتوا، فإذا وافق اليهودي أن تكون امرأة أخيه ابنته لم يجد بدا من أن يتزوجها، وهذا من أسرارهم، وما يكتمونه ولا يظهرونه، فهل في المجوسية أشنع من هذا؟ فأنكر اليهودي ذلك، وجحد أن يكون في دينه أو يعرفه أحد من اليهود، فاستخبر ابن طولون عن صحة ذلك، فوجد ذلك الطبيب اليهودي قد تزوج امرأة أخيه، وكانت بنته، ثم أقبل القبطي على ابن طولون، فقال: أيها الأمير، هؤلاء يزعمون - وأشار إلى اليهودي - أن الله خلق آدم على صورته، وعن نبي من أنبيائهم سماه قال في كتابه: إنه رآه في قديم الزمان أبيض الرأس واللحية، وإن الله تعالى قال: إني أنا النار المحرقة، والحمى الأخذة، وأنا الذي آخذ الأبناء بذنوب الأباء، ثم في توراتهم أن بنات لوط سقينه الخمر حتى سكر وزنى بهن، وحملن منه، وولحن، وأن موسى رد على الله الرسالة مرتين حتى أشتد غضب الله عليه. وأن هارون صنع العجل الذي عبده بنو إسرائيل. وأن موسى أظهر معجزات لفرعون وفعلت السحرة مثلها. ثم قالوا في ذبائح الحيوان والتقرب إلى الله بدمائها ولحومها وتحكمهم على العقل ومنعهم من النظر بغير برهان، وهو قولهم: إن شريعتهم لا تنسخ، ولا يقبل قولي أحد من الأنبياء بعد موسى إذا انحرف عما جاء به موسى ولا فرق في قضئة العقل بين موسى وغيره من الأنبياء إذا أتى ببرهان، وبان بحجة، ثم الأكبر من كفرهم قولهم في يوم عيد الكفور، وهو يوم الاستغفار ذلك لعشر تخلو من تشرين الأول: إن الرب الصغير - ويسمونه ميططرون - يقول في هذا اليوم قائما، وينتف شعور رأسه، ويقول: ويلي إذا خربت بيتي، وأيتمت بنتي، قامتي منكسة لا أرفعها، حتى آتي بنتي، وذكر عن اليهود أقاصيص وتخاليط كثيرة، ومناقضات واسعة.
ولهذا القبطي مجالس كثيرة عند أحمد بن طولون مع جماعة من الفلاسفة والديصانية والثنوية والصابئة والمجوس، وعدة من متكلمي الإسلام، وقد أتينا على ما احتمل منها إيراده في كتابنا في أخبار الزمان وذكرنا جميع ذلك في كتابنا المقالات، في أصول الديانات وكان هذا القبطي - على ما نمي إلينا من خبره، وصح عندنا من قوله - يذهب إلى فساد النظر، والقول بتكافؤ المذاهب، وأقام عند ابن طولون نحو سنة، فأجازه، وأعطاه، فأى قبول شيء من ذلك، فرده إلى بلده مكرما، وأقام بعد ذلك مدة من الزمان، ثم هلك - وله مصنفات تدل من كلامه على ما ذكرنا عنه، والله أعلم بكيفية ذلك.
واليهود تأبى ما ذكره القبطي في نكاح بنت الأخ، وكثر هم يقر بالتزوبج ببنت الأخ.
يعض عجائب مصر ونيلها
صفحہ 157