home
عليه؛ فالكلمة الإنجليزية تفيد مكان الإقامة الدائمة، أو المسكن الأصلي (أو الموطن)، ومن ثم فهي لا تتفق مع الكلمة الشائعة «بيت» أو «البيت» الذي كان يعني قسما من أقسام الخيمة أو حجرة (لا بد أن تكون الحجرة على مستوى سطح الأرض، فإذا ارتفعت صارت غرفة!) ثم تغير معناها في الشرق، وإن كانت لا تزال تعني الحجرة في تونس، وأما البيت بالمعنى الشرقي فيسمونه دارا! (3-2) وإذا كانت هذه الاختلافات قائمة بين المجسدات التي يسهل رصدها وتحديد معانيها، فما بالك بالمجردات؟! وما دمنا قد ذكرنا المساكن فلنذكر الفعل «سكن» ومشتقاته؛ فالمعاجم العربية ترى منذ القدم أن كل كلمة لا بد أن ترد إلى فعل ثلاثي أو رباعي أو إلى «مادة»
lemma ، تدرج الكلمة تحتها في باب مستقل، وهي تدرج كلمة مسكين في باب سكن، والواضح أنه لا توجد علاقة بين الكلمتين في المعنى، بل ويقول بعض الدارسين إن هذه الكلمة قد تكون لها أصول أوربية، بدليل أن القرآن الكريم يشتق منها المسكنة
وضربت عليهم الذلة والمسكنة وباءوا بغضب من الله (البقرة: 61)، وهي قريبة من الكلمة الإيطالية المعاصرة
meschino (والجمع
meschini
وتنطق مسكيني) التي تعني الحقير، كما شاع منها في اللغة التمسكن (اتمسكن لما تتمكن)، وحجتهم هي أنه لو كانت الميم زائدة ما احتاجت العربية إلى إضافتها، فنحن لا نقول يتمنزل أبدا بل يتنزل، ولم تشهد العربية اشتقاق الفعل من المصدر الميمي إلا في العصر الحديث، عندما ابتدع المغاربة التمعضل والتمفصل والتمحور (والتمركز التي يذهب شوقي ضيف إلى إجازتها في أحد كتبه؛ استنادا إلى أنها تشير إلى المركز لا إلى الركيزة أو التركيز)، ولكن مباحث الاشتقاق خلافية، ونحن لا نريد إلا الإشارة إلى أن العلاقة ليست واضحة بين السكن والمسكن من ناحية، وبين المسكنة والمساكين من ناحية أخرى، والفقهاء لا يزالون في خلاف حول تعريف المسكين؛ فالجوهري يقول في الصحاح إن المسكين هو الفقير، غير عابئ بأن القرآن يردف الفقراء بالمساكين، ولو كانتا لفظتين مترادفتين في المعنى ما وقعتا هكذا في كتاب الله عز وجل، وابن منظور يدافع عن الصلة بين سكن ومسكين؛ استنادا إلى قول سيبويه إن كل ميم في أول الكلمة زائدة إلا ميم «معزى وميم معد»، ويحتج بأنه قياس على «تمدرع» من المدرعة، وتمندل من المنديل، ويعقب ذلك بالعبارة الشهيرة «وهذا شاذ»، وهي عبارة الجوهري، مما جعل أحد الباحثين يستبعد أن يكون الرسول قد استعمل هذا الشاذ في الحديث الذي يوجهه إلى المصلي: «تبأس وتمسكن وتقنع يديك»، ويرجح أنها كلمة مستقلة خففت تاؤها، والجمهور على أن تمسكن هنا تعني «تذلل وتخضع» فأين هذا من السكون؟ بل إن ابن منظور ينفي الصلة دون أن يقصد حين يحلل صيغة مسكين، ويورد أقوال الثقات التي تؤكد عدم وجود علاقة واضحة بينها وبين المسكن والسكن.
وهكذا فلنا أن نعتبر أنهما كلمتان منفصلتان، مهما تكن أصولهما الاشتقاقية، وقس على ذلك مئات الأمثلة التي تقطع بعدم الاطمئنان إلى الأصول المفترضة للكلمات عند تحديد معانيها، مثلما نفعل في دراستنا للغات الحية حين نقنع بمحاولة رصد المعنى الجاري بغض النظر عن الأصول، إلا حين نحتاج إليها في إدراك هذا المعنى، فإذا أردنا ترجمة المسكين وقعنا في مشكلة لا حل لها؛ إذ إن الخلاف على معنى الكلمة لا يزال قائما، فإذا افترضنا أنه درجة أشد من الفقر، كما تقول بعض المعاجم، حرنا في تحديد هذه الدرجة؛ فكلمة الفقر في اللغة الإنجليزية تتضمن الكلمة العامة
poor
أو
نامعلوم صفحہ