ـ[المرشد الوجيز إلى علوم تتعلق بالكتاب العزيز]ـ
المؤلف: أبو القاسم شهاب الدين عبد الرحمن بن إسماعيل بن إبراهيم المقدسي الدمشقي المعروف بأبي شامة (المتوفى: ٦٦٥هـ)
المحقق: طيار آلتي قولاج
الناشر: دار صادر - بيروت
سنة النشر: ١٣٩٥ هـ - ١٩٧٥ م
عدد الأجزاء: ١
[ترقيم الكتاب موافق للمطبوع، وهو مذيل بالحواشي]
_________
(تنبيه): الكتاب مرتبط بنسخة مصورة موافقه لترقيمه (ط دار صادر)، وأخرى مخالفة (ط دار الكتب العلمية)
نامعلوم صفحہ
مقدمة التحقيق
إن الوقوف على معنى قول رسول الله ﷺ "أنزل القرآن على سبعة أحرف " قد شغل علماء المسلمين كثيرا ونتجت عنه آراء مختلفة، ولا سيما في القرنين الثالث والرابع الهجري.
ذكر ابن حبان (- ٣٥٤ / ٩٦٥) فيما نقله عنه القرطبي (-٦٧١/١٢٧٣) في تفسيره (١) خمسة وثلاثين رأيا مختلفا، ومع أن هذه الآراء يتميز أكثرها عن غيره بفروق ضئيلة فإنها مهمة من جهة أنها تظهر درجة اهتمام العلماء بالحديث المذكور وأهمية موضوعه حتى أواسط العصر الرابع الهجري.
وقد انكب شراح غريب الحديث والمفسرون وكثير من العلماء وخاصة المشتغلون بعلم القراآت على هذا الحديث، وسبب عنايتهم بدراسة هذا الموضوع أن له علاقة كبيرة بمسائل تتصل بصحة نقل متن القرآن الكريم عن الرسول ﷺ إلى الأصحاب، ثم عنهم إلى من بعدهم من الأجيال.
ومن المؤلفين الذين عنوا بهذا الحديث مثلا: أبو عبيد القاسم بن سلام الهروي (-٤٢٢ / ٨٣٩) (٢) وأبو محمد عبد الله بن مسلم بن قتيبة (-٢٧٦/ ٨٨٩) (٣) وأبو جعفر محمد بن جرير الطبري (- ٣١٠ / ٩٢٢) (٤) ومكي بن
_________
(١) انظر: تفسير القرطبي ١ / ٤٢ - ٤٦
(٢) انظر: غريب الحديث ٣/ ١٦٢- ١٦٩.
(٣) انظر: تأويل مشكل القرآن ص ٢٦- ٣٥.
(٤) انظر: تفسير الطبري ٢١/١- ٧٢.
المقدمة / 7
أبي طالب "٤٣٧/ ١٠٤٥" (١) .
والظاهر أن لطعن أعداء الإسلام في القرآن وبالأخص فيما يتعلق بالحديث المذكور أثرًا كبيرًا في اهتمام علماء المسلمين به.
ولم تقف العناية بإظهار الرأي وإيضاح المعنى الذي يشير إليه الحديث عند العصور الأولى للإسلام، بل تجاوزها إلى ما بعدها، وفتح الطريق لتأليف كتب ورسائل خاصة في هذا الموضوع.
و"كتاب المرشد الوجيز إلى علوم تتعلق بالكتاب العزيز" الذي أقدم الآن نصه، وهو من تصنيف شهاب الدين عبد الرحمن بن إسماعيل بن إبراهيم المقدسي المعروف بأبي شامة "٥٩٩-٦٦٥هـ/ ١٢٠٣-١٢٦٧م" من أجمع الكتب المؤلفة في هذا الصدد.
وإن المؤلف مهما ذكر في كتابه من أبواب ومباحث تتصل بالموضوع فإن شرح الحديث المذكور وإثبات علاقته بالقراءات المشهورة هو الغاية الأولى من تأليفه لهذا الكتاب كما بينه المؤلف نفسه (٢) .
وتوثيقي لـ"كتاب المرشد الوجيز ... " الذي يأتي الحديث عنه وعن محتوياته (٣) أستند فيه إلى ثلاث نسخ مخطوطة: الأولى منها محفوظة في مكتبة لا له لي "إستانبول" تحت رقم ٣٦٢٥.
والثانية توجد في مكتبة شهيد علي باشا "إستانبول" تحت رقم ٢٧٥١.
والثالثة تحتفظ بها مكتبة آياصوفيا "إستانبول" تحت رقم ٥٩.
وبلغني أن لهذا الكتاب نسختين أخريين، ذكر إحداهما خير الدين
_________
(١) انظر: الإبانة عن معاني القراءات.
(٢) انظر: المرشد الوجيز ص٧٣.
(٣) انظر: المقدمة التركية ص٣٧-٤٠.
المقدمة / 8
الزركلي وقال إنها في المكتبة البديرية بالقدس (١) . والثانية محفوظة في مكتبة إسكوريال "Escurial" بإسبانيا تحت رقم ١٤٣١ على ما أشار إليه بروكلمان (٢) . ولم أتمكن من رؤية هاتين النسختين حتى الآن على الرغم من محاولاتي الحصول عليهما.
والطريق الذي اتبعته لتوثيق هذا المتن هو طريق التلفيق. فبدل أن أتخذ إحدى النسخ الثلاث المذكورة أساسا. اخترت أن أثبت في المتن الأصح منها أين ما كان.
واختلافات النسخ التي لا تأثير لها في تغيير المعنى، اعتمدت فيها غالبا على نسخة لا له لي ولم أشر إليها وفي قسم "الفروق بين النسخ ... " وأرقام الأوراق التي في صلب المتن هي أرقام هذه النسخة، وبهذا المعنى يمكن أن يقال عن نسخة لا له لي: إنها نسخة أصلية.
وحينما ينقل المؤلف عن مصدر، ويكون في النص خطأ يمكن اعتباره من عمل الناسخين، رجعت النص كما ورد في مصدره الأصلي أحيانا.
وقد اتفق في مواضع معدودة أنني صححت المتن حسب السباق والسياق من غير أن أعول على رواية النسخ، وبالطبع أشرت في قسم "الفروق بين النسخ ... " إلى كل تصرف أجريته في المتن.
ولكثرة تصحيفات ناسخ نسخة آيا صوفيا، فإنه إذا اتفقت نسختا لا له لي وشهيد علي باشا "ل ش" وخالفتهما نخسة آيا صوفيا "ف"، فإذا رجحت ل ش، فإني حينذاك لا أشير إلى مخالفة "ف" في "الفروق بين النسخ ... ".
وبالنسبة لآيات القرآن فإني أثبتها حسب ورودها في المصحف ولم ألتفت إلى ما قد يخالفه في روايات النسخ، إلا إذا كانت روايات النسخ كلها أو إحداها تشير إلى قراءة خاصة، فإني أثبت الآية على مذهب القارئ.
_________
(١) الأعلام ٤/ ٧٠.
(٢) بروكلمان ٥٥٢GAL Sl.
المقدمة / 9
وأشرت مع ذلك إلى رقم الآيات في سورها وضبط الآيات بالحركات.
ووقفت بصورة خاصة في تعليقاتي على القراءات المتعلقة بهذه الآيات التي ذكرها المؤلف أمثلة لإيضاح مسألة في القراءة، فعنيت باختلافاتها ونسبتها إلى أصحابها وأشرت إلى المصادر اللازمة لذلك.
وما نقله المؤلف من حديث أو رأي أو روايات مقتبسا لها من مصادر أخرى -إذا استثنينا ما لم نقف عليه، مثل "فضائل القرآن" لأبي عبيد القاسم بن سلام الهروي "٢٢٤/ ٨٣٩" الذي لا توجد نسخة منه في مكاتب تركيا (١)، ومثل "كتاب المدخل" للبيهقي "٤٥٨/ ١٠٦٦" الذي لا نعرف هل هو موجود أو فقد- رجعت إليها في مواضعها الأصلية وأشرت إلى مواضع النص في مجلداتها وصحائفها، وخاصة عند تخريج الأحاديث فقد حاولت أن أشير إلى مصادر أخرى لها، علاوة على ما أشار إليه المؤلف من المصادر.
وكتبت تراجم لأسماء الأشخاص المذكورين في المتن "مثل صحابي، ومفسر ومحدث ومقرئ ... " قصيرة عند أول موضع ذكروا فيه، وحاولت أن أذكر عن كل شخص منهم ما يلزم ذكره، إلا أن هناك أشخاصا لم أتأكد من تعيين شخصيتهم.
وهذه لائحة بالرموز المستعملة في حواشي الكتاب وفي قسم "الفروق ... " منه:
ل: نسخة لا له لي.
ش: نسخة شهيد علي باشا.
ف: نسخة آيا صوفيا.
_________
(١) انظر: بروكمان GAL Gl ١٠٧ Sl ١٦٦.
المقدمة / 10
ص: صحيفة.
و: وجه "الوجه الأول للورقة".
ظ: ظهر "الوجه الثاني للورقة".
ج: مجلد، جزء.
أما المقدمة (١) التي كتبتها لهذا الكتاب فهي عبارة عن قسمين:
الأول في حياة المؤلف وشخصيته ومؤلفاته.
والثاني في وصف وتحليل "كتاب المرشد الوجيز...." "وهو هذا".
وقد استفدت في أثناء البحث عن حياة المؤلف إلى جانب مصادر أخرى التي تعرضت لحياته من كتابه "الذيل على الروضتين"، وقد أشرت إلى ذلك في موضعه (٢) . والإشارات المتفرقة التي تتصل بحياة المؤلف في كتاب "الذيل على الروضتين" كانت مصدري الوحيد لإيضاح أمور كثيرة، وخاصة في معرفة بعض مؤلفاته.
وفي الختام أريد أن أشير هنا إلى أنني مدين بالشكر لأستاذي المحترم محمد بن تاويت الطنجي الذي أدين له بأشياء كثيرة جدًّا. فقد كان مرجعي في حل مشكلات اعترضتني عامة وفي توثيق المتن خاصة، ومدين بالشكر أيضا لأستاذي المحترم الدكتور محمد نهاد جتين الذي راجعته كثيرًا واستفدت من تجاربه ومنهجه في البحث.
وقد اجتهدت بقدر الاستطاعة في أن أكون قد وفقت، فإن أخطأت فإن لي أجر الاجتهاد، والتوفيق من الله وحده ...
طيار آلتي قولاج
_________
(١) كتبت هذه المقدمة باللغة التركية.
(٢) انظر: المقدمة التركية ".
المقدمة / 11
مقدمة المؤلف:
بسم الله الرحمن الرحيم
وبه نستعين
الحمد لله الواحد الوتر الرحيم البر، عالم الغيب والشهادة والسر والجهر، مصعد الكلم الطيب ومنزل القطر الذي يسر القرآن للذكر وأنزله في ليلة القدر.
أحمده وهو أهل الحمد والشكر على ما يساء وسر، وبيده النفع والضر، ﴿أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ﴾ (١)، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له المؤمل لحط الوزر ورفع الإصر وإسبال الستر وإلهام الصبر، شهادة مرغمة لأهل الشرك والكفر، سارة لأهل التقوى المأمورين بالصلاة والصيام والحج والنحر.
وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله القائل: "أنا سيد ولد آدم ولا فخر" (٢) المبعوث من خير العرب، وهم قريش أولاد لؤي بن غالب بن فهر، المرسل لإظهار الإيمان بمعجزة القرآن ممن وفق لقبولها ومن المعاندين بالقسر والقهر.
صلى الله عليه وعلى جميع النبيين والملائكة المقربين الأكرمين كما شرفهم بالعصمة والطهر، وفضلهم على ساكني البر والبحر، وعلى آله وصحبه الأبرار أولي الحجا والحجر، والبشارة والبشر، والحل والعقد
_________
(١) الأعراف: ٥٤.
(٢) مسلم ٧/ ٥٩، أبو داود ٤/ ٣٠٢، الترمذي، ابن ماجه ٢/ ١٤٤٠.
1 / 5
والطي والنشر، من أهل الهجرة والإنفاق والإيواء والنصر، المجاهدين بالأنفس والأموال الموفين بالنذر، وعلى تابعيهم بإحسان، وعلى جميع أهل الولاية والطاعة والبر، وعفا عن أهل التقصير الذين هم [٢ و] لأولئك اللباب كالقشر، وسلم عليهم أجمعين أبد الدهر، ما طلع الفجر، وأشرقت الشمس ونور البدر.
أما بعد: فهذا تصنيف جليل يحتاج إليه أهل القرآن، خصوصا من يعتني بعلم القراءات السبع ولا يعرف معنى هذه التسمية ولا ماذا نحاه الرسول ﷺ بقوله: "أنزل القرآن على سبعة أحرف" (١) ولا يدري ما كان الأمر عليه في قراءة القرآن وكتابته في حياة النبي ﷺ إلى أن جمع بعده في خلافة أبي بكر (٢)، ثم جمع في خلافة عثمان (٣) ﵄، ولا يهتدي إلى ما فعله كل واحد منهما، وما الفرق بين جمعيهما، وما الضابط الفارق بين القراءات الشواذ وغيرها.
وأرجو أن يكون هذا التصنيف مشتملا على ذلك كله، قيما ببيانه مع فوائد أخر تتصل به، وبالله التوفيق.
وقد حصل مقصود هذا الكتاب في ستة أبواب:
_________
(١) انظر روايات هذا الحديث وتخريجها في ص٧٧-٩٥.
(٢) هو عبد الله بن عثمان بن عامر بن عمرو بن كعب التميمي القرشي، أبو بكر الصديق بن أبي قحافة، أول الخلفاء الراشدين، توفي سنة ١٣هـ "الطبقات الكبرى ٣/ ١٦٩، غاية النهاية ١/ ٤٣١، الإصابة ٢/ ٣٤١، تاريخ الخلفاء ص١١".
(٣) هو عثمان بن عفان بن أبي العاص بن أمية، أبو عمرو القرشي الأموي، ثالث الخلفاء الراشدين، استشهد سنة ٣٥هـ "الطبقات الكبرى ٣/ ٥٣، تذكرة الحفاظ ١/ ٨، غاية النهاية ١/ ٥٠٧، الإصابة ٢/ ٤٦٢، تاريخ الخلفاء ص٥٧".
1 / 6
الباب الأول في البيان عن كيفية نزول القرآن وتلاوته وذكر حفاظه في ذلك الأوان.
الباب الثاني في جميع الصحابة ﵃ القرآن وإيضاح ما فعله أبو بكر وعمر (١) وعثمان ﵃.
الباب الثالث في معنى قول النبي ﷺ: "أنزل القرآن على سبعة أحرف"، وشرح ذلك من كلام كل مصنف منصف.
الباب الرابع في معنى [٢ ظ] القراءات السبع المشهورة الآن وتعريف الأمر في ذلك كيف كان.
الباب الخامس في الفصل بين القراءة الصحيحة القوية والشاذة الضعيفة المروية.
الباب السادس في الإقبال على ما ينفع من علوم القرآن والعمل بها، وترك التعمق في تلاوة ألفاظه والغلو بسببها.
وسميته:
"المرشد الوجيز إلى علوم تتعلق بالكتاب العزيز".
وهي معرفة كيفية نزول القرآن وجمعه وتلاوته، ومعنى الأحرف السبعة التي نزل عليها، والمراد بالقراءات السبع وضابط ما قوي منها، وبيان ما انضم إليها، والتعريف بحق تلاوته وحسن معاملته، والله الموفق.
_________
(١) هو عمر بن الخطاب بن نفيل، أبو حفص القرشي العدوي، ثاني الخلفاء الراشدين، توفي شهيدًا سنة ٢٣هـ "الطبقات الكبرى ٣/ ٢٦٥، غاية النهاية ١/ ٥٩١، الإصابة ٢/ ٥١٨، تاريخ الخلفاء ص٤٢".
1 / 7
الباب الأول: في البيان عن كيفية نزول القرآن وتلاوته وذكر حفاظه في ذلك الأوان
قال الله تعالى: ﴿شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ﴾ (١) وقال تعالى: ﴿إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ﴾ (٢)، وقال جلت قدرته: ﴿إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ﴾ (٣)، فليلة القدر هي الليلة المباركة وهي في شهر رمضان جمعا بين هؤلاء الآيات؛ إذ لا منافاة بينها، فقد دلت الأحاديث الصحيحة على أن ليلة القدر في شهر رمضان، وأمر النبي ﷺ بالتماسها في العشر الأخير منه (٤)، ولا ليلة أبرك من ليلة، هي خير من ألف شهر. فتعين حمل قوله سبحانه: ﴿فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ﴾ على ليلة القدر. كيف، وقد أرشد إلى ذلك قوله تعالى: ﴿فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ﴾ (٥)، فهو موافق لمعنى تسميتها بليلة القدر؛ لأن معناه التقدير، فإذا ثبت هذا، علمت أنه قد أبعد من قال: الليلة المباركة هي ليلة النصف من شعبان، وأن قوله تعالى: ﴿أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآن﴾ (٦) معناه:
_________
(١) البقرة: ١٨٥.
(٢) الدخان: ٣.
(٣) القدر: ١
(٤) انظر: صحيح البخاري ٢/ ٢٥٤، وسنن أبي داود ٢/ ٧٠-٧٢.
(٥) الدخان: ٤.
(٦) البقرة: ١٨٥.
1 / 9
أنزل في شأنه وفضل صيامه وبيان أحكامه، وأن ليلة القدر توجد في جميع السنة لا تختص بشهر رمضان، بل هي منتقلة في الشهور على مر السنين، واتفق أن وافقت زمن أنزال القرآن ليلة النصف من شعبان:
وإبطال هذا القول متحقق بالأحاديث الصحيحة الواردة في بيان ليلة القدر وصفاتها وأحكامها على ما سنقرره إن شاء الله تعالى في المسائل الفقهية بين كتابي الصيام والاعتكاف.
وبما اخترناه من القول في الجمع بين الآيات الثلاث، ورد الخبر عن ابن عباس (١) ﵄، وهو ابن عم رسول الله ﷺ المشهود له بأنه حبر الأمة وترجمان القرآن.
أخرج الحافظ أبو بكر البيهقي (٢) في "كتاب الأسماء والصفات"، من حديث السري (٣) عن محمد بن أبي المجالد (٤) عن مقسم (٥) عن ابن عباس
_________
(١) هو عبد الله بن عباس بن عبد المطلب بن هاشم، أبو العباس القرشي الهاشمي، الصحابي الجليل، توفي سنة ٦٨هـ "تذكرة الحفاظ ١/ ٣٧، الإصابة ٢/ ٣٣٠، تهذيب التهذيب ٥/ ٢٧٦".
(٢) هو أحمد بن الحسين بن علي، أبو بكر البيهقي الشافعي، من أئمة الحديث، صنف التصانيف الكثيرة، منها "السنن الكبرى" و"شعب الإيمان" وكتابه "الأسماء والصفات"، توفي سنة ٤٥٨هـ "طبقات السبكي ٣/٣، تذكرة الحفاظ ٣/ ٣٠٩، وفيات الأعيان ١/ ٢٤، شذرات الذهب ٣/ ١/ ٣١٣".
(٣) هو إسماعيل بن عبد الرحمن بن أبي كريمة السدي، أبو محمد القرشي بالولاء، الكوفي تابعي، توفى سنة ١٢٧ هـ (تهذيب التهذيب ١ / ٣١٣)
(٤) هو محمد "ويقال عبد الله" بن أبي المجالد الكوفي، مولى عبد الله بن أبي أوفى "تهذيب التهذيب ٥/ ٣٨٨".
(٥) هو مقسم بن بجرة "ويقال ابن نجدة"، أبو القاسم، تابعي ثقة، من رجال الحديث، توفي سنة ١٠١هـ "ميزان الاعتدال ٣/ ١٩٨، تهذيب التهذيب ١٠/ ٢٨٨".
1 / 10
﵄ قال: سأله عطية بن الأسود (١) فقال: إنه قد وقع في قلبي الشك في قول الله ﷿: ﴿شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ﴾ (٢)، وقوله تعالى: ﴿إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ﴾ (٣)، وقوله سبحانه: ﴿إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ﴾ (٤)، [٣ ظ] وقد أنزل في شوال وذي القعدة وذي الحجة ... يعني وغير ذلك من الأشهر.
فقال ابن عباس ﵄: إنه أنزل في رمضان وفي ليلة القدر وفي ليلة مباركة جملة واحدة، ثم أنزل بعد ذلك على مواقع النجوم رسلا في الشهور والأيام (٥) .
قلت: رسلا أي رفقا، وقوله على مواقع النجوم، أي على مثل مواقع النجوم، ومواقعها مساقطها، يريد أنزل مفرقا يتلو بعضه بعضا على تؤدة ورفق، فقوله على مواقع النجوم في موضع نصب على الحال، ورسلا أي ذا رسل يريد مفرقا رافقا.
ودل أيضا على أن إنزال القرآن كان في شهر رمضان، رواية قتادة (٦) عن
_________
(١) هو عطية بن الأسود اليمامي من بني حنيفة، من علماء الخوارج وأمرائهم، وتوفي سنة نحو ٧٥هـ "الملل والنحل ١/ ١٥٥-١٦٩، وانظر: الأعلام ٥/ ٢٣".
(٢) البقرة: ١٨٥.
(٣) القدر: ١.
(٤) الدخان: ٣.
(٥) كتاب الأسماء والصفات٢٣٦.
(٦) هو قتادة بن دعامة بن عزيز السدوسي، أبو الخطاب البصري، الضرير الأكمه حافظ، مفسر، عالم بالعربية، توفي سنة ١١٨هـ "صفة الصفوة ٣/ ١٨٢، معجم الأدباء ٦/ ٢٠٢، تذكرة الحفاظ ١/ ١١٥، غاية النهاية ٢/ ٢٥، تهذيب التهذيب ٨/ ٣٥١".
1 / 11
أبي المليح (١) عن واثلة بن الأسقع (٢) أن النبي ﷺ قال: "أنزلت صحف إبراهيم ﵇ أول ليلة من شهر رمضان، وأنزلت التوراة لست مضين من شهر رمضان، وأنزل الإنجيل لثلاث عشرة خلت من شهر رمضان، وأنزل الزبور لثماني عشرة خلت من شهر رمضان، وأنزل القرآن لأربع وعشرين خلت من شهر رمضان" (٣) . هكذا أخرجه البيهقي في "كتاب الأسماء والصفات" (٤) و"شعب الإيمان" (٥) له، وذكره أيضا الثعلبي (٦) في تفسيره (٧) وغيره.
ووقع في "تفسير الماوردي" وغيره: "وأنزل الزبور لثنتي عشرة (٨) والإنجيل لثماني عشرة" (٩) . وكذلك هو في كتاب أبي عبيد (١٠) .
_________
(١) هو أبو المليح بن أسامة الهذلي، مجهول الحال، قيل: اسمه عامر وقيل زيد وقيل غيرهما، توفي سنة ٩٨هـ على خلاف "ميزان الاعتدال ٣/ ٣٨٢، تهذيب التهذيب ١٢/ ٢٤٦.
(٢) هو واثلة بن الأسقع بن كعب بن عامر، أبو الأسقع الليثي، صحابي من أهل الصفة، فلما قبض النبي ﷺ خرج إلى الشام فمات بها، وهو آخر الصحابة موتا بالشام سنة ٨٣هـ "الاستيعاب ٣/ ٦٤٣، صفة الصفوة ١/ ٢٧٩، غاية النهاية ٢/ ٣٥٨، تهذيب التهذيب ١١/ ١٠١، الإصابة ٣/ ٦٢٦".
(٣) مستند أحمد بن حنبل ٤/ ١٠٧. ولم يذكر وقت إنزال الزبور.
(٤) كتاب الأسماء والصفات ص٢٣٤.
(٥) شعب الإيمان ١/ ٣٧٠،.
(٦) هو أحمد بن محمد بن إبراهيم أبو إسحاق الثعلبي النيسابوري، المفسر المعروف، العالم بالقراءات، له تصانيف جليلة، منها تفسيره المسمى "الكشف والبيان في تفسير القرآن"، توفي سنة ٤٢٧هـ "وفيات الأعيان ١/ ٢٦، إنباه الرواة ١/ ١١٩، غاية النهاية ١/ ١٠٠، بغية الوعاة ص١٥٤.
(٧) انظر: تفسير الثعلبي ١/ ١١٢و.
(٨) تفسير الماوردي ١/ ٥٨.
(٩) الذي في تفسير الماوردي ١/ ٦٢، هو "وأنزل الإنجيل لثلاث عشرة"، والله أعلم.
(١٠) هو القاسم بن سلام أبو عبيد الهروي البغدادي، من كبار العلماء بالقراءات والحديث والفقه والعربية والأخبار، له تصانيف في كل فن منها، توفي سنة ٢٢٤هـ "مراتب النحويين: ٩٣، تذكرة الحفاظ ٢/ ٥، غاية النهاية ٢/ ٧١، تهذيب التهذيب ٨/ ٣١٥، شذرات الذهب ٢/ ١٤٧".
1 / 12
وفي بعض التفاسير عكس هذا: الإنجيل لثنتي عشرة والزبور لثماني عشرة، واتفقوا على أن صحف إبراهيم ﵇ لأول ليلة [٤ و] والتوراة لست مضين والقرآن لأربع وعشرين خلت.
قال أبو عبد الله الحليمي: يريد ليلة خمس وعشرين (١) .
وذكر أبو بكر ابن أبي شيبة (٢) -وهو أحد شيوخ مسلم- (٣) في "كتاب ثواب القرآن" (٤) عن أبي قلابة (٥) قال: أنزلت الكتب كاملة ليلة أربع وعشرين من رمضان. وعنه: أنزلت التوراة والزبور لثنتي عشرة، وفي رواية أخرى: الزبور في ست، يعني في رمضان (٦) .
_________
(١) في كتابه المنهاج ٢/ ١٠٣ ظ، والحليمي هو الحسين بن الحسن بن محمد، أبو عبد الله الحليمي الجرجاني، أحد أئمة الشافعية بما وراء النهر، توفي سنة ٤٠٣هـ "وفيات الأعيان ١/ ١٨٣، طبقات السبكي ٣/ ١٤٧".
(٢) هو عبد الله بن محمد بن إبراهيم، أبو بكر العبسي بالولاء، المعروف بابن أبي شيبة، من أهل الكوفة، حافظ للحديث، وصنف المسند والأحكام والتفسير، توفي سنة ٢٣٥هـ "الفهرست، ٣٣٤، تاريخ بغداد ١٠/ ٦٦، تذكرة الحفاظ ٢/ ٨١، تهذيب التهذيب ٦/ ٢".
(٣) هو مسلم بن الحجاج القشيري، أبو الحسن النيسابوري، الحافظ، صاحب الصحيح والتصانيف، أحد الأعلام المحدثين والأئمة، توفي سنة ٢٦١هـ "الفهرست، ٣٣٦، تاريخ بغداد ١٣/ ١٠٠، وفيات الأعيان ٢/ ١١٩، تذكرة الحفاظ ٢/ ١٥٠، تهذيب التهذيب ١٠/ ١٢٦".
(٤) ثواب القرآن هو باب من أبواب مصنف ابن أبي شيبة ولي كتابا مستقلا كما يفهم من المتن.
(٥) هو عبد الله بن زيد بن عمرو الجرمي، أبو قلابة البصري، تابعي ثقة، كثير الحديث، توفي سنة ١٠٤هـ على خلاف "صفة الصفوة ٣/ ١٦٠، تهذيب التهذيب ٥/ ٢٢٤".
(٦) المصنف ٢/ ١٦٢ظ.
1 / 13
قال البيهقي في معنى قوله: "أُنزل القرآن لأربع وعشرين": إنما أراد -والله أعلم- نزول الملك بالقرآن من اللوح المحفوظ إلى سماء الدنيا (١) .
وقال في معنى قوله تعالى: ﴿إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ﴾ (٢): يريد -والله أعلم: إنا أسمعناه الملك وأفهمناه إياه وأنزلناه بما سمع، فيكون الملك منتقلا به من علو إلى سفل (٣) .
قلت: هذا المعنى مطرد في جميع ألفاظ الإنزال المضافة إلى القرآن أو إلى شيء منه: يحتاج إلى نحو هذا التأويل أهل السنة المعتقدون قدم القرآن، وأنه صفة قائمة بذات الله تعالى.
وفي المقصود بالإنزال الخاص المضاف إلى ليلة القدر أقوال:
أحدها: أنه ابتدئ إنزاله فيها.
والثاني: أنه أنزل في عشرين ليلة من عشرين سنة.
فنذكر ما حضرنا من الآثار في ذلك ومن أقوال المفسرين.
قال الإمام أبو عبيد القاسم بن سلام [٤ ظ] في "كتاب فضائل القرآن": حدثنا يزيد (٤) -يعني ابن هارون- عن داود بن أبي
_________
(١) كتاب الأسماء والصفات ص٢٣٤.
(٢) القدر: ١.
(٣) كتاب الأسماء والصفات ص٢٢٩.
(٤) هو يزيد بن هارون بن داود "ويقال زاذان" بن ثابت السلمي بالولاء، أبو خالد الواسطي، الحافظ، الثقة، توفي سنة ٢٠٦هـ "تاريخ بغداد ١٤/ ٣٣٧، تذكرة الحفاظ ١/ ٢٩١، تهذيب التهذيب ١١/ ٣٦٦".
1 / 14
هند (١) عن عكرمة (٢) عن ابن عباس ﵄ قال: أنزل القرآن جملة واحدة إلى سماء الدنيا في ليلة القدر، ثم نزل بعد ذلك في عشرين سنة، وقرأ: ﴿وَقُرْآنًا فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ وَنَزَّلْنَاهُ تَنْزِيلًا﴾ (٣) .
أخرجه الحاكم أبو عبد الله (٤) في "كتاب المستدرك على الصحيحين" وقال في آخره: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه (٥) .
ورواه عبد الأعلى (٦) عن داود وقال: فكان الله إذا أراد أن يوحي منه شيئا أوحاه، أو يحدث في الأرض منه شيئا أحدثه (٧) .
_________
(١) هو داود بن أبي هند، أبو بكر البصري، وينتسب إلى بني قشير بالولاء، تابعي، كان يفتي في زمان الحسن بن علي بن أبي طالب، توفي سنة ١٤٠هـ على خلاف "تهذيب التهذيب ٣/ ٢٠٤".
(٢) هو عكرمة مولى ابن عباس البربري، أبو عبد الله المدني، كان من أعلم التابعين بتفسير القرآن، توفي سنة ١٠٥هـ على خلاف "الطبقات الكبرى ٥/ ٢٨٧، ميزان الاعتدال ٢٠٨٢، غاية النهاية١/ ٥١٥، تهذيب التهذيب ٧/ ٢٦٣".
(٣) الإسراء: ١٠٦.
(٤) هو محمد بن عبد الله بن محمد بن حمدويه الضبي، الطهماني، أبو عبد الله النيسابوري، المعروف بالحاكم، من أكابر حفاظ الحديث، له تصانيف كثيرة، منها "المستدرك على الصحيحين" توفي سنة ٤٠٥هـ "تاريخ بغداد ٥/ ٤٧٣، تذكرة الحفاظ ٣/ ٢٢٧، ميزان الاعتدال ٣/ ٨٥، طبقات السبكي ٣/ ٦٤، غاية النهاية ٢/ ١٨٤".
(٥) المستدرك ٢/ ٢٢٢، ورواه البيهقي في كتاب الأسماء والصفات، ٢٣٥، وفي شعب الإيمان ١/ ٣٧٠ ظ.
(٦) هو عبد الأعلى بن عبد الأعلى بن محمد، أبو محمد القرشي البصري السامي، أحد علماء الحديث، قال ابن سعد: لم يكن بالقوي، وقال أبو حاتم: صالح الحديث، توفي سنة ١٨٩هـ "تهذيب التهذيب ٦/ ٩٦، شذرات الذهب ١/ ٣٢٤".
(٧) انظر: كتاب الأسماء والصفات ص٢٣٥.
1 / 15
قال أبو عبيد: لا أدري كيف قرأه يزيد في حديثه، إلا أنه لا ينبغي أن يكون على هذا التفسير إلا "فرقناه" بالتشديد.
قال أبو نصر ابن القشيري (١) في تفسيره: فرقناه أي فصلناه (٢) .
قال ابن جبير (٣): نزل القرآن كله من السماء العليا إلى السماء السفلى ثم فصل في السماء السفلى في السنين التي نزل فيها.
قال قتادة: كان بين أوله وآخره عشرون سنة، ولهذا قال: ﴿لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ﴾ (٤) .
وقيل: فرقناه أي جعلناه آية آية وسورة سورة، وقيل: فصلناه أحكاما، كقوله تعالى: ﴿فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيم﴾ (٥)، أي يفصل، وقيل: "فرقناه" بالتشديد أي أنزلناه مفرقا، على مكث على تؤدة وترسل ونزلناه تنزيلا: أي نجما بعد نجم، وقيلك جعلناه منازل ومراتب ينزل شيئا بعد [٥ و] شيء ولو أخذوا بجميع الفرائض في وقت واحد لنفروا.
وأسند الحاكم أبو عبد الله في كتابه "المستدرك" من حديث ابن أبي
_________
(١) هو عبد الرحيم بن عبد الكريم بن هوازن، أبو نصر بن أبي القاسم القشيري، الواعظ من علماء نيسابور، توفي سنة ٥١٤هـ "طبقات السبكي ٤/ ٢٤٩".
(٢) تفسير القشيري ص٣٤٠و.
(٣) هو سعيد بن جبير بن هشام الأسدي بالولاء، أبو عبد الله الكوفي، تابعي مشهور، قتله الحجاج بواسط شهيدًا سنة ٩٥هـ "الطبقات الكبرى ٦/ ٢٥٦، وفيات الأعيان ١/ ٢٥٦، غاية النهاية ١/ ٣٠٥، تهذيب التهذيب ٤/ ١١".
(٤) الإسراء: ١٠٦.
(٥) الدخان: ٤.
1 / 16
شيبة، حدثنا جرير (١) عن منصور (٢) عن سعيد بن جبير عن ابن عباس ﵄ في قوله تعالى: ﴿إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ﴾ (٣)، قال: أنزل القرآن جملة واحدة في ليلة القدر إلى سماء الدنيا وكان بمواقع النجوم، وكان الله ﷿ ينزل على رسوله ﷺ بعضه في إثر بعض، قال الله تعالى: ﴿وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً كَذَلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلًا﴾ (٤)، صحيح على شرطهما (٥) .
وأسنده البيهقي في دلائله (٦) والواحدي (٧) في تفسيره (٨) .
وأسند البيهقي في "كتاب الشعب" عن سعيد بن جبير عن ابن عباس ﵄ قال: نزل القرآن في ليلة القدر من السماء العليا إلى السماء
_________
(١) هو جرير بن عبد الحميد بن قرط الضبي، أبو عبد الله الرازي، كان محدث الري في عصره، توفي سنة ١٨٨هـ "تاريخ بغداد ٧/ ٢٥٣، تذكر الحفاظ ١/ ٢٥٠، تهذيب التهذيب ٢/ ٧٥".
(٢) هو منصور بن المعتمر بن عبد الله بن ربيعة السلمي، أبو عتاب الكوفي، أحد أعلام رجال الحديث، توفي سنة ١٣٢هـ "تهذيب التهذيب ١٠/ ٣١٢".
(٣) القدر: ١.
(٤) الفرقان: ٣٢.
(٥) المستدرك ٢/ ٢٢٢.
(٦) يعني دلائل النبوة ٤/ ١٧٢ظ، وذكره أيضا في كتاب الأسماء والصفات ص٢٣٤.
(٧) هو علي بن أحمد بن محمد بن علي، أبو الحسن الواحدي النيسابوري، المفسر، النحوي، وصنف الكتب في هذين وغيرهما، منها تفاسيره "البسيط" و"الوسيط" و"الوجيز"، توفي سنة ٤٦٨هـ "وفيات الأعيان ١/ ٤١٩، غاية النهاية ١/ ٥٢٣، طبقات المفسرين ٢٣، بغية الوعاة ٣٢٧".
(٨) انظر: الوسيط ٢/ ٩٥٣ظ.
1 / 17
الدنيا جملة واحدة، ثم فرق في السنين، قال: وتلا الآية ﴿فَلا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ﴾ (١)، قال: نزل متفرقا (٢) .
قلت: هو من قولهم: نجم عليه الدية أي قطعها، ومنه نجوم الكتابة، فلما قطع الله سبحانه القرآن وأنزله مفرقا قيل لتفاريقه نجوم، ومواقعها: مساقطها، وهي أوقات نزولها، وقد قيل: إن المراد ﴿بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ﴾ مغارب نجوم السماء، والله أعلم.
وقوله في الرواية الأولى: وكان بموقع النجوم: أي بمنزلة ذلك في تفرقه وعدم تتابعه على وجه الاتصال، وإنما هو على حسب الوقائع والنوازل، وكذا مواقع النجوم بحساب [٥ ظ] أزمنة معلومة تمضي. وقرئ ﴿بِمَوَاقِعِ﴾ بالجمع و"بموقع" بالإفراد (٣) .
وقال أبو الحسن الواحدي المفسر: وقال مقاتل (٤): أنزله الله من اللوح المحفوظ إلى السفرة، وهم الكتبة من الملائكة في السماء الدنيا، فكان ينزل ليلة القدر من الوحي على قدر ما ينزل به جبريل على النبي ﷺ في السنة كلها إلى مثلها من العام القابل، حتى نزل القرآن كله في ليلة القدر، ونزل به جبريل على محمد عليهما الصلاة والسلام في عشرين سنة (٥) .
_________
(١) الواقعة: ٧٥.
(٢) شعب الإيمان ١/ ٣٧٠، وانظر: البسيط ٥/ ٤٩٣ و.
(٣) قرأ حمزة والكسائي "بموقع" بإسكان الواو من غير ألف، والباقون بفتح الواو وألف بعدها "التيسير، ص٢٠٧".
(٤) هو مقاتل بن سليمان بن بشير الأزدي بالولاء، أبو الحسن الخرساني، المفسر المشهور، كان من العلماء الأجلاء، اختلف العلماء في أمره، فمنهم من وثقه في الرواية ومنهم من نسبه إلى الكذب، توفي سنة ١٥٠هـ "تاريخ بغداد ١٣/ ١٦٠، وفيات الأعيان ٢/ ١٤٧، ميزان الاعتدال ٣/ ١٩٦، تهذيب التهذيب ١٠/ ٢٧٩".
(٥) الوسيط ٢/ ٩٥٣ظ، البسيط ٥/ ٤٩٣و.
1 / 18
وفي "كتاب المنهاج" لأبي عبد الله الحليمي: كان ينزل من اللوح المحفوظ إلى السماء الدنيا في كل ليلة، قدر ما ينزل على النبي ﷺ إلى الليلة التي تليها (١)، فينزل جبريل ﵇ ذلك نجوما بأمر الله تعالى فيما بين الليلتين من السنة إلى أن ينزل القرآن كله من اللوح المحفوظ في عشرين ليلة من عشرين سنة (٢) .
قلت: فهذان قولان في كيفية إنزاله في ليلة القدر: أحدهما أنه نزل جملة واحدة، والثاني أنه نزل في عشرين ليلة من عشرين سنة.
وذكر أبو الحسن الماوردي (٣) في تفسيره قال: نزل القرآن في رمضان وفي ليلة القدر وفي ليلة مباركة جملة واحدة من عند الله تعالى من اللوح المحفوظ إلى السفرة الكرام الكاتبين في السماء الدنيا، فنجمته السفرة على جبريل ﵇ عشرين عليه، ونجمه جبريل على النبي ﷺ عشرين [٦ و] سنة، فكان ينزل على مواقع النجوم إرسالا في الشهور والأيام (٤) .
ذكر ذلك في تفسير قوله تعالى: ﴿إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ﴾ (٥) قال: فيه قولان: أحدهما ما روي عن ابن عباس ﵄ (٦)، فذكر ذلك، وكأنه قول ثالث غير القولين المقدمين، أو أراد الجمع بينهما،
_________
(١) أي ليلة القدر التي تليها.
(٢) المنهاج ٢/ ١٠٣ظ.
(٣) هو علي بن محمد بن حبيب، أبو الحسن الماوردي، كان من كبار الفقهاء الشافعية، له تصانيف كثيرة، منها تفسيره "العيون والنكت" المعروف بـ"تفسير الماوردي"، توفي سنة ٤٥٠هـ "وفيات الأعيان ١/ ٤١٠، طبقات السبكي ٣/ ٣٠٣".
(٤) تفسير الماوردي ٣/ ٢٧٠و.
(٥) القدر: ١.
(٦) تفسير الماوردي ٣/ ٣٧٠و.
1 / 19