وقال: «هل علي أن أفعل أفضل مما فعلت؟ حسنا، ماذا لو قلت إنني سأخل بوعدي بألا أحاول البحث عن فتاة العاصفة، وشرعت في البحث عنها بإصرار؟ وماذا لو قلت إنني أشعر بصدق وبحق أن «الظروف المخففة» تشفع لها، وإذا آل بي الحال، لنقل خلال سنة من الآن، وصرت رجلا معافى البدن، فربما عندئذ تتغاضى عن ندباتي وربما تستطيع أن تشرح لي ما حدث، وربما نستطيع العثور على شيء جميل بحق في الحياة معا؟»
هنا تذكر الطائر المحاكي تغريدا كان قد سمعه على نخلة بلح في المكسيك من طائر أحمر قان، وصاح مرددا إياه على رأس جيمي مباشرة: «مرحى! مرحى! مرحى!»
فنظر جيمي إلى الزهور مرة أخرى ولاحظ أن رءوسها الجميلة بدأت تتدلى. فنهض وهم بالبحث عن الوعاء النحاسي الصغير ليضعها في الماء. وبعد أن نسقها بحرص شديد في الوعاء، حملها إلى غرفة النوم ووضعها على المنضدة القائمة بجانب الفراش التي يمكن تقريبها من وسادته.
ظل جيمي طوال ما تبقى من اليوم يسير متعثرا، ليس من ضعف؛ ولكن لأنه كان يحلم حلما استحوذ على انتباهه تماما.
الفصل الثاني عشر
رؤية ما وراء الحجب
أمضى جيمي ما تبقى من ذلك الأسبوع، بخلاف الوقت المستغرق في تنفيذ النظام الذي وضعه لنفسه، في الحديقة ومع الكتب. وأصبح في رعايته الأشجار والزهور ماهرا وخبيرا. إذ كان قد تعلم كيف يجعل الزهور مزدهرة وصحيحة في مناخ نيو إنجلاند الفقير. لكن مع وجود المياه بوفرة، وشمس لا تكاد أشعتها تنقطع، ونهارات دافئة وليال باردة، ضبابية في أحيان كثيرة جدا، وجد جيمي نفسه يواجه وجها مناقضا لكل ما عرفه عن البستنة. ومن ثم تعلم سريعا جدا أن مهمته في الأرض شديدة الثراء بأشعة الشمس والمياه، لا أن يحفز الزهور على النمو، وإنما أن يشذبها حتى يوجه طاقة النبات نحو إنتاج الزهور مباشرة. كذلك تراكم لديه الكثير من المعرفة بالحدائق من مارجريت كاميرون، أشياء عملية كانت قد تعلمتها بالتجارب: كيف يفكك التربة، وكيف يسمدها، وكيف يرويها بحرص وبالقدر اللازم. وتعلم جيمي بالفعل كيف يشذب النباتات محققا الهدف المرجو. وسريعا ما تعلم ماذا يفعل للحفاظ على الزهور بدلا من الأوراق.
ظل طوال الأسبوع يتطلع إلى يوم السبت، ويخطط لليوم الذي سيذهب فيه هو والكشافة الصغير لزيارة سيد النحل. وقد حدد ميعاد ذهابهما عند الساعة الثانية. وفي الساعة الثانية وخمس عشرة دقيقة تدلى الصغير من فوق سياج الأوتاد الخشبية العالي وجاء يعدو في الممشى. وكان جيمي مندهشا بعض الشيء. إذ توقع، من السلوك السلس العملي الذي أدار به الكشافة الصغير المعركة مع الهنود، أن يبدي القدر نفسه من اليقظة والمسئولية في الحفاظ على مواعيده.
كان منتظرا على المقعد تحت شجرة الجاكرندا حين طار الجسد الصغير من فوق السياج. وحين تأمل الكشافة الصغير عن قرب، خال لجيمي أنه اكتشف آثار دموع سالت حديثا. كانت أشفار عينيه فيها شبهة احمرار، ووجنتاه يشوبهما أثر لا ريب فيه لحزن طفولي. في الحال انتفض قلب جيمي احتجاجا. من ذا الذي سولت له نفسه إيذاء الكشافة الصغير؟ ماذا، غير قرصة نحلة، يمكنه أن يدفع للبكاء روحا صغيرة غاية في الشجاعة؟ من دون التمهل للتفكير، مد جيمي ذراعيه. ومن دون التردد لحظة سار الكشافة الصغير إلى ذراعيه مباشرة ووضع رأسه مطمئنا على صدره، فضم جيمي ذراعيه حوله بإحكام. «هل سقطت وأصابك أذى؟»
استطاع جيمي أن يشعر بهزة النفي في كتفيه والغصة في حلقه.
نامعلوم صفحہ