ويقول: «إنني مصيب إذن.» وأضاف: «إنها تعيش في مكان ما قريبا من هنا. أو ترتاد هذا الشاطئ على الأقل. وقد عرفتني حتى ووجهي مغطى. وإنني، من تلك الناحية، بإمكاني التعرف عليها من هيئتها أكثر من وجهها! لكن ما الهدف من ملء يدي بأجمل الزهور الصغيرة في العالم كله إذا لم تكن تريد مني شيئا آخر؟»
قلب جيمي الأمر على وجوهه ممعنا، ثم حدث المحيط الهادئ به.
إذ قال: «لنفكر في الأمر، لقد أديت مهمتي معها. وحصلت على الاسم الذي طلبته. ولديها الخاتم ولديها العقد. ولا تريد مني أي شيء آخر، لكن هذا يثبت أنني على بالها، أنها على الأقل لم تستغلني وتنسني.»
حينئذ استبعد جيمي المحيط لكونه محايدا بعض الشيء وقصر نفسه على الزهور. فحملها برقة بأصابعه الرشيقة ونظر إليها بعينين شغوفتين متساءلتين.
وقال: «ليتك كان بإمكانك الكلام. ليت وجوهك الصغيرة باستطاعتها أن تخبرني بما رأيته في وجهها وهي تجمعك. ليتني أعلم بالضبط ماذا كان في قلبها. ليتني أعلم ما إن كانت متأكدة تماما من أنها انتهت مني، أو إذا ما كان بيدي شيء آخر أفعله من أجلها.»
ثم انتفض جيمي وجلس منتصبا. «يا للهول!» قال مخاطبا هذه المرة زهرة خطمي صفراء وجميلة جمالا غير عادي طويلة للغاية ومستقيمة للغاية نمت بجانب العريشة. ثم تابع: «يا للهول! إنني لست على يقين تام من أنها ستجد مني أي فائدة أخرى إن كانت تريدني حقا! ثمة فرق بين أن تقدم اسما لا يفيدك بأي شيء وجسدا لن يلبث طويلا على سبيل الترضية لتجفيف دموع امرأة، ليست دموع ندم، ولكن دموع خوف، الخوف من إعراض العالم عن الموصومين بالعار، الخوف من عيني طفل يملؤهما الاتهام وهو يحدق في وجهها ويجدها خائرة، وأن تفعل ما تقدر عليه في حين أن الوقت المتاح لك لفعل أي شيء محدود للغاية. لم يتبق سوى بضعة أيام على نهاية هذا الشهر، وإذا تفحصت مارجريت كاميرون صدري وقالت بصدق إن الخطر في طريقه ليزول من الجرح، وإذا لم أكن أخادع نفسي بالاعتقاد بأنني أصبحت رجلا ناضجا أكثر مما كنت عليه طوال ثلاثين عاما، فسينشأ احتمال آخر. احتمال لم أحسب له حسابا حين أقدمت على مغامرة الزواج. وإنه احتمال يحتاج إلى قدر كبير من التفكير. فلا يليق بأي رجل أن يدعي أنه أتقى من غيره، لكن يجدر بالرجل، في الوقت نفسه، أن يفكر مليا قبل أن يقرر ما إن كان يريد أن يتولى تربية طفل أنجبه رجل يحمل في شخصه خصلة الحقارة التي جعلته يتوانى عن منح ابنه شرف أن يكون له أب.»
تأمل جيمي الأمر. ظل يفكر وقتا طويلا. يفكر باستغراق وتمعن. يفكر من منطلق التعصب الاسكتلندي. فتذكر الاعتداد بالنفس. وفكر من منطلق الرأي العام. ثم طرح كل شيء جانبا وفكر من دون مواربة. فتسلل إلى رأسه من مكان ما عبارة قانونية. ألا وهي: «ظروف مخففة.» لم يستطع أن يفكر في جسد فتاة العاصفة الذي ضمه بقوة بين ذراعيه، ولا أن يفكر في شعرها الحرير وعطر أنفاسها والروائح البرية التي أحاطت بها، ولا أن يحمل نفسه على أن يراها إلا نضرة وشابة وسليمة جسدا وعقلا. لم يكن مقبولا بالمنطق أن تكون قد دنست جسدها ولوثت روحها، وأن تكون خالفت شرائع الله وانتهكت قوانين البشر، وعرضت نفسها بل حياة طفل لما يأت بعد، لإصبع الازدراء، ذلك الشيء الفاضح المدمر الذي يوجه من دون تمعن.
قال جيمي محدثا طائر محاكي شديد النباهة تصادف أن حط على أحد عمدان العريشة بقربه في تلك اللحظة: «أيا كان الذي وضع تلك العبارة القصيرة «إصبع الازدراء» فهو لم يوفها حقها من القوة بتاتا. كان لا بد أن يدعوه قضيب الازدراء الملتهب، الحديد الذي يغرس في صدر امرأة فيظل طوال أيامها يكوي روحها ويشتعل من جديد في أي لحظة على حين غرة، وكل ذلك لأنها ربما أحبت للحظة رجلا حبا شديدا أكثر مما أحبت نفسها حتى إنها ربما خاطرت بروحها وخسرتها، من وجهة نظر العالم. لكنها نعمة أنها لم تخسر روحها عند الله؛ فهناك المجدلية التي غفر لها، وقد كانت المجدلية بغيا وربما استحقت ما فعله بها الغوغاء. لكن الله غفر لها رغم كل شيء، ولا يليق أن يعطف الله على امرأة ولا يعطف عليها رجل اسكتلندي .»
هز الطائر المحاكي ذيله ونظر إليه بانتباه وقال، مقتبسا قول طائر صفارية على شجرة برقوق في الحديقة: «مرة أخرى! مرة أخرى!»
ابتسم جيمي.
نامعلوم صفحہ