أليس لويز ماكفارلين
قال جيمي: «يا للهول!» ثم أضاف: «أحقا ما حدث؟ هل ستحمل اسمي فعلا؟ هل حقا ستستخدمه في أمر ما؟ هل حقيقي أنها ستحضر طفلا إلى العالم وتسميه «ماكفارلين»؟»
ثم شرع جيمي في عملية قراءة الخطاب مرة أخرى، وما لبث أن أصبح باستطاعته ترديده كلمة كلمة بالعكس. أما لماذا ظل يخرجه ويحمله بين أصابعه ويقلبه ويفحص الورقة ويستقرئ المكتوب، فلم يدر. كان رائعا، وكان منصفا، وكان كل ما قد يتمناه قلبه. بدا لائقا تماما بالفتاة المتمتعة بالصفات نفسها التي طالما تخيل جيمي أنه سيرغب فيها حين يلتقي بالمرأة التي ستصبح أهم امرأة في العالم بأسره له؛ من طول، وقوة بدنية، وشعر كثيف حرير، وعينين بنيتين حادتين، وصدر مكتنز، ويدين قويتين، وصوت عذب آسر.
الفصل التاسع
فيتامينات وكشافة
كان آخر ما فعله جيمي ليلا هو قراءة خطابه مرة أخرى. حيث فتح الظرف وبسط الورقة، وباهتمام شديد راح يتمعن في كل كلمة مكتوبة. ولم يكن ضروريا بالمرة أن يفعل ذلك لمعرفة فحوى الخطاب. لكنه نوعا ما أحب ملمس الورقة بين أصابعه. إن كان سيشتري أدوات مكتبية لسيدة العاصفة التي وقفت بجانبه أثناء مراسم الزواج الرسمية، كان سيشتري ذلك النوع من الورق. وقد ظن أنه من المرجح جدا أن تفضل هذه المرأة المميزة استخدام الحبر الأخضر حتى إنه على استعداد للمراهنة على ذلك. لأن المرأة التي تلفها رائحة مميزة تآلفت من عبير المريمية ورعي الحمام الرملي وزهور الربيع لا بد أن تستخدم حبرا أخضر. واعتقد أن يدا كاليد التي أمسك بها ستنظم حروف التهجي كما كانت منظومة في هذا الخطاب. وظن أنها ستعبر عن نفسها بوضوح وإيجاز وبإنجليزية رفيعة مثل تلك التي استخدمت.
بينما أخذ يقرؤه ويعيد قراءته ويردده من الذاكرة، حين ينشغل بالري أو يعمل بيديه شيئا يمنعه من إخراجه من جيبه لئلا يلطخه، بدأ شك ينشأ في ذهنه. لم يكن للشك أدنى علاقة بالفتاة التي كتبت الخطاب. لكن ما بدأ يشك فيه بعض الشيء هو قدرته على التمييز. فلا يمكنه البتة أن يجمع بين العار وبين ملمس المرأة التي ضمها بين ذراعيه، ونبرات صوتها، وشعرها الطويل الحريري، والعذاب الذي بدا على وجهها البارد المغطى بملح الدموع حين استند إلى وجهه، ولا يمكنه مطلقا أن يجمع بينه وبين الحاجبين والعينين والفم الواسع والذقن المتماسك التي كشفت عنها ألسنة البرق الواهنة ؛ لا يمكنه أن يجمع بينه وبين الشفتين المرتعشتين والوجنتين المختلجتين والعينين اللتين كانتا تحبسان الدموع. ولا يمكنه مطلقا أن يظل، يوما بعد آخر، وساعة تلو ساعة، يفكر مرارا وتكرارا في كل تفصيلة صغيرة من تفاصيل مغامرته الأخيرة ويشعر بأن هذه الفتاة المهمومة المجهولة كانت بغيا. الحقيقة الواقعة أنه لم يرد أن تلطخ صورتها. لم يرد تصديق أن ثمة عاطفة جامحة سيطرت عليها قط. لم يرد الشعور بأنه يوجد في أي مكان في العالم كله رجل استطاع تلطيخ شرفها. حاول أحيانا أن يتخيل صفات الرجل الذي استطاع أن يجلب تلك المتاعب في حياة الفتاة التي غذت خياله بالصورة التي يجب أن تكون عليها الفتاة بالضبط. وظل يتأمل كم ستكون رفيقة رائعة، وكيف ستصبح الرحلة عبر وادي المياه المتدفقة حين تكون هي رفيقته.
من دون أدنى فكرة عما حدث له، اتخذت أفكار جيمي منحى جديدا. حين استيقظ ليلا وغير وضعه ليريح جانبه المصاب، استجاب لمطالب الألم ثم استغرق في الحال في التفكير في فتاة العاصفة.
من المرجح ألا يختلف الأطباء إذا سألتهم إن كانت الرحلة التي خاضها جيمي وما تلاها من تجارب هي أفضل ما يناسب رجلا مريضا. فهم ببساطة يعلمون من خلال كتبهم، وتعاليمهم، ومزاولة عملهم، أن مثل تلك التجربة ستقتل أي رجل في حالة جيمي، لكن جيمي، في مرات قليلة من الليل، تمدد بقامته الفارعة على فراش سيد النحل، محركا كلتا ساقيه وكلتا ذراعيه، مديرا عموده الفقري، وقد شعر أن الوجع قد زال عنه تماما. لقد غادر ألم السير الطويل قدميه وساقيه، وبدا أن يديه وذراعيه لديها القوة الكافية لمواجهة يوم آخر. وعندئذ جذب انتباهه الحركة المنتظمة للأمواج إذ راحت تأتي غاسلة الرمال أسفل نافذته وتنسحب عائدة إلى خضم البحر مرة أخرى.
أدار جيمي رأسه وأصغى لأغنية المحيط الهادئ. وتصور أن هناك سببا لتسميته المحيط الهادئ، المحيط الوديع. من النافذة التي رقد بجانبها امتد بصره لأميال فوق المياه التي صبغها القمر بلون فضي، مياه ساكنة للغاية حتى إنها نادرا ما تضطرب من الأمواج التي ظلت تتتابع في انتظام يكاد يضاهي انتظام التنفس. وفي اللحظة نفسها التي قرر فيها جيمي أن المحيط الهادئ اسم على مسمى تذكر فتاة العاصفة. فأعاد ذلك إلى ذهنه العاصفة، وذهب في تأمله إلى أن المحيط قد يكون مثله مثل المرأة، وأن المياه الهادئة عميقة الغور، وأنه بعد عدة أيام من السلام، حين هبت العاصفة أخيرا كانت عاصفة عاتية تجعل حتى إله العواصف يطل من عليائه وينتبه.
نامعلوم صفحہ