وقدم التفسير مرتجلا، من دون أن يطلبه منه أحد. «يحتاج الأمر إلى البقاء في الخارج أغلب الوقت. ومعرفة الزهور وأحب الزهور للنحل. من المهم أن تكون سريع الملاحظة ورابط الجأش، وفي رأيي أنك لا بد أن تكون على خلق. ومن الأفضل أن تتأكد من قدرتك على العمل جهد طاقتك قبل أن تقترب من النحل. يقول سيد النحل إن النحل لديه بصيرة، وإن دنا منه شخص كاذب وغشاش وتفوح منه رائحة الخطيئة والأنانية؛ فسيحدث ما لا يحمد عقباه! إذ يعلم النحل من فوره الشخص الوضيع، وعندئذ لا تأخذه به رحمة. بمجرد أن يستشعر حقيقتك، يلحق بك الأذى. فإذا كنت تعلم، في أعماقك، أنك لست صالحا، وأن الله لن يقبلك في ملكوت السماء يوم يأتيك الموت، فمن الأفضل أن تتخلى عن هذا العمل وتدعني أبحث عن شخص آخر ليرعى النحل.»
نهض جيمي ووقف ناصبا قامته في اعتداد. وأخرج من جيبه كل أوسمة الخدمة المتميزة وأنزلها إلى مستوى عيني الشخص الصغير.
وقال بجدية شديدة: «على حد معلوماتي، لا يوجد سبب يجعل النحل يستاء من أي روائح قد تنبعث من خارجي أو حتى من أكثر الأماكن سرية في باطن روحي.»
قال الشخص الصغير: «حسنا إذن، هذا يبشر بالخير.» وتابع: «كل ما في الأمر أنك تبدو لي أحيانا كأنك لست متأكدا ما إن كنت ستبقى أم سترحل.»
قال جيمي: «أقر أنه كان صعبا علي أن أقرر، ما إن كنت سأبقى أو أرحل، لكن إذا ساعدتني، فمن الأفضل لي على ما أظن أن أجرب على الأقل ما أقوى على عمله.»
وقف جيمي ساكنا وشاهد الشخص الصغير وهو يسير عبر الممشى متجها إلى السياج الذي كان قد استخدمه سبيلا للدخول. وبينما هو على وشك القفز من فوقه وقد اعتلاه، بلغت أذنيه نصيحة واضحة: «من الأفضل أن تبقى، يا رجل! سيروق لك الأمر!»
الفصل السادس
«ماذا أفعل، يا إلهي؟»
بعد رحيل مساعد سيد النحل، الذي كان السيد قد أشار إليه بحنان بالغ باسم «الكشافة الصغير»، ظل جيمس ماكفارلين طوال ساعة جالسا يحملق في ألواح السياج المطلية بالكلس التي اختفى الطفل من فوقها. في البداية تراقصت على أساريره ابتسامة عفوية وهو يتذكر المرح البسيط، والسلوك العملي، ولحظات الرقة، وتقبل الواقع بلا اكتراث التي تتابعت واحدة تلو الأخرى بسرعة شديدة في عقلية الصغير. ثم أخذ يتفكر باهتمام، لبضع دقائق، فيما إذا كان الشخص الصغير الغريب صبيا حقا أم فتاة فعلا. فكان الاستنتاج الأكيد الوحيد الذي توصل له أنه كان صبيا أحيانا وفتاة أحيانا أخرى.
ثم انتقل ذهنه إلى الشيء الذي كان دائما في الصدارة. ما الذي قاله الصغير عن الموت؟ إن هناك سبلا عدة؟ كان الموت هو ما ظل يواجهه طوال العامين الماضيين، لكن المثير للشفقة في الأمر بالنسبة إليه أنه لم يشعر به قريبا ولا أكيدا كما شعر به في تلك اللحظة. كانت عظامه الموجوعة تذكره بضعفه كلما تحرك. وقدماه المتورمتان تصرخان كلما أثقل بحمله عليهما، وأما الألم المضطرم في جانبه الأيسر، فقد ظل يحمله طويلا جدا حتى إنه بات مثل كرب لا شفاء منه أو إجهاد ذهني لا يستريح منه المرء أبدا. شعر جيمي بيقين أن بإمكانه استبعاد الموت بالغرق والحريق والانفجار. إذ لم يشعر أن أيا من هذه الأشياء قد تحدث له. بذلك صار هناك نوعان متبقيان من الموت؛ لا بد أن يواجه واحدا منهما.
نامعلوم صفحہ