في ذلك اليوم، أجبر يدها، مكرها إياها بوحشية، على أن تكتب أمام العيون المندهشة لمجموعتها واحدة من أكثر الكلمات رداءة في أي لغة، ليس كتابتها فحسب، وإنما إعادة كتابتها ووضع خط تحتها. لقد أوجعها بالطريقة التي يعلم أنها ستوجعها، ثم اختفى وتركها موصومة بوصمة كريهة لنفسها ربما مثل أي شكل من العذاب خلق خصيصى لها.
جعل جيمي يحملق في الكرسي الشاغر متسائلا. إذ وجد نفسه يبتهل بالدعاء أن يحضر سيد النحل. لكنه لم يأت. ظل الكرسي شاغرا. في خياله فقط أمكن لجيمي أن يرى الرأس الأبيض، والوجه النحيف، والعينين الكبيرتين الداكنتين، واللحية الحريرية، واليدين النحيفتين الحساستين التي ترافق الأرواح المرهفة والمبدعة. لكنه لم يأت. وقد أحس في أعماقه أنه يعلم لماذا لم يأت. كان سيد النحل سيسلك سلوك الرجل النبيل، فقد هذبته معاناته الخاصة بعذاباتها المصيرية، وكان سيتصرف برقة بالغة، وما كان سيلقي بتلك الكلمة البشعة في وجه امرأة، وما كان سيجبرها على كي قلبها بها. ما كان سيد النحل سيفعله هو أن يقول: «عزيزتي مولي، يبدو أنك لم تقولي الحقيقة، أنك لم تكوني صريحة؛ لكن حيث إنني أعرفك حق المعرفة، فإنني أعلم أن هذا لا يمكن أن يكون حقيقيا، فهلا شرحت لي حقيقة الأمر؟ ما الذي حدث حقا؟»
أما الآن فلم يعد ضروريا أن يخبر جيمي بأي شيء. فقد عرف المسألة برمتها حين أرسل بصره فوق رأس مارجريت كاميرون المحني والحلي الزهيد الذي قبضت عليه بيديها؛ ليرى عقد الزواج مبسوطا على الفراش أمامها مكتوبا فيه اسمه واسم طفلتها الوحيدة.
كان الصباح بلونه الرمادي قد بدأ يتسلل للنوافذ حين ألقى مربي النحل بنفسه على الفراش من دون أن ينزع ملابسه ليستغرق في نوم مضطرب. ولم يستيقظ حتى سمع مارجريت كاميرون في المطبخ ومعها فطوره. فنهض وخرج إليها. نظرت إليه نظرة واحدة وقالت: «إنك لم تخلع عنك ملابسك يا جيمي، وأشك أن تكون قد نمت من الليل كله ساعة!»
فأجابها: «كذلك أنت يا مارجريت، ومن ثم ليس لديك أي أساس تستندين إليه في تأنيبي.»
فقالت مارجريت: «بل لدي. فإنني لم أمرض يوما في حياتي مرضا حقيقيا. ليس في صدري جرح لا بد من رعايته بعناية قصوى شهورا قادمة. إنما أحتمل جراحي حيث لا يمكن للعالم أن يكتشفها.»
صاح جيمي: «لا تفعلي ذلك!» وتابع: «لا تصبحي ناقمة يا مارجريت. إننا لا نعلم، ولا نستطيع أبدا أن نعلم لماذا تجري الأمور في هذا العالم على النحو الذي تجري عليه بالضبط؛ لكننا نعلم شيئا: نعلم أن الله موجود في ملكوته السماوي، وأنه رحيم ويحب العفو والرحمة، ونعلم أننا إذا عصيناه واتبعنا أهواءنا وخالفنا وصاياه سنعاقب عقابا قاسيا. ولكن للأسف لا يوجد إنسان يمكن أن ينال عقابه بمفرده في هذه الحياة. ولا يمكن لأحد أن يعاني دون أن يجعل شخصا آخر يعاني، لكن بطريقة ما لا بد أن تنتهي الأمور لصالح الجميع، حتى إن لم نستطع أن نرى كيف يمكن ذلك ونحن نلاقي من أحداث الدهر ما يؤلمنا أشد الألم. لقد ظننت حين نهضت وخرجت من المستشفى أنني سأقدم على مغامرة كبرى تخصني وحدي. وشعرت بحماس شديد للوقوف على قدمي ولفعل ما يحلو لي لبضعة أيام، ولتنفيذ أوامري أنا. وقبل الاسترسال فيما حدث لي، قد يكون هذا دليلا على أن الله قد أمرني بالنهوض والهروب وأن أكون تحت رحمة الطريق؛ لعلي أصبح ممتنا بحق حين يأتيني المأوى، وربما أرادني أن أكون هنا لتقديم ما أستطيع من عون لروح فتاة كسيرة في الأيام التي عاندتها فيها الحياة لدرجة مثيرة للشفقة.»
كانت مارجريت كاميرون تجهز أصناف الفطور على الطاولة والدموع الغزيرة تجري على وجنتيها، دموع امتن لها جيمي امتنانا تعجز الكلمات عن وصفه. فمن الممكن أن يعول على العقل في الحفاظ على توازنه حين يمنح الله راحة سكب الدموع في وقت الأزمة.
قال جيمي: «الآن سأتناول فطوري وأغتسل هنا في المنزل. وبعد ذلك سأرتدي أفضل ثيابي وأذهب للبحث عن مولي كاميرون. وبإمكانك تسهيل ذلك البحث علي بدرجة كبيرة إذا أعطيتني عنوانها، إذا أخبرتني أين قد أجدها.»
سألته مارجريت كاميرون: «منذ متى وأنت تعرف مولي؟»
نامعلوم صفحہ