الجزء الأول
مقدمة
...
المقتنى في سرد الكنى
للحافظ شمس الدين محمد بن أحمد الذهبي المتوفى سنة٧٤٨هـ
المقدمة
وتشمل على:
- تمهيد.
- كلمة موجزة عن الإمام أبي أحمد الحاكم.
- كلمة موجزة عن الإمام الذهبي.
1 / 4
بسم الله الرحمن الرحيم
تمهيد
الحمد لله رب العالمين وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد خاتم الأنبياء والمرسلين وعلى آله وأصحابه أجمعين ... أما بعد:
فإنه من فضل الله وكرمه أن منّ علَيّ بمتابعة الدراسات العليا، فبعد أن حصلت على شهادة الليسانس من كلية أصول الدين بالجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة، تقدمت إلى جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية بالرياض والتحقت بالدراسات العليا، قسم الكتاب والسنة بكلية أصول الدين، وبعد أن اجتزت السنة التمهيدية دفعتني الرغبة إلى مواصلة البحث في مجال السنة المطهرة، فإن العمل فيها من أجلِّ الأعمال وخدمتها من أعظم القربات.
وقد يسر الله تعالى لي نسخة خطية من كتاب الإمام الذهبي: (المقتنى في سرد الكنى)، فرأيت فيه من السعة والشمول وغزارة الفائدة ما جعلني أقرر تحقيقه وإحياءه، ليأخذ مكانه في المكتبة الحديثية، وتعم فائدته إن شاء الله تعالى.
فهذا العلم -أي معرفة الكنى- من العلوم الهامة التي يحتاجها طالب العلم في حياته العلمية، فكثيرًا ما يشتبه على الباحث راوٍ من الرواة، لأنه قد يذكر في أسانيد الحديث بكنيته حينًا، وقد يذكر باسمه حينًا آخر مما يجعل إيضاح صاحب الكنية من الضرورة بمكان، وبالرغم من ضخامة الكتاب وضيق الوقت المخصص لإنجاز البحث، فقد استخرت الله تعالى في العمل فيه، وسألته المعونة على إنجازه، ثم شرعت في جمع نُسَخ هذا الكتاب المتوفرة في المكتبات، فاجتمع لي منه أربع نُسَخ متنوعة، من أقطار مختلفة.
1 / 5
وحينئذ أخذت في العمل المتواصل خلال سنتين ونيف، وبذلت جهدًا كبيرًاَ في تتبع التراجم وتدقيقها للتأكد من سلامتها والتوصل إلى الوجه الصحيح.
وما زلت أسير في ذلك الطريق الوعر الشاق، حتى يسر الله تعالى إتمامه، وأرجو أن أكون قد وفقت لخدمة هذا الكتاب الثمين الهام، فإن أصبت فمن لله، وإن أخطأت فمن نفسي، وأستغفر الله منه، وأرجو من كل أخ من أهل العلم وطلابه أن يوجه نظري إليه ...
وقد قسمت هذا الموضوع إلى: مقدمة وبابين.
أما المقدمة: فقد بحثت فيها النقاط التالية:
أ- ترجمة موجزة للإمام أبي أحمد الحاكم صاحب الكتاب الذي اختصره الإمام الذهبي في (المقتنى) .
ب- ترجمة موجزة للإمام الذهبي.
وأما الباب الأول: فقد بحثت فيه عناية المحدثين بالكنى وأشهر المصنفات فيه، وهو يتألف من فصلين:
الفصل الأول: في عناية المحدثين بالكُنى.
الفصل الثاني: في بيان أشهر المصنفات في الكُنى.
وأما الباب الثاني: فقد خصصته لتحقيق كتاب المقتنى، وهو يتألف من النقاط التالية:
أ- وصف النسخ الخطية للكتاب.
ب- عملي في التحقيق.
1 / 6
ترجمة موجزة للإمام أبي أحمد الحاكم:
هو الإمام الحافظ العلامة الثبت محدث خراسان محمد بن محمد بن أحمد بن إسحاق النيسابوري الكرابيسي الحاكم الكبير، صاحب التصانيف، ومؤلف كتاب الكُنى في عدة مجلدات، ولد بحدود سنة تسعين ومائتين أو قبلها بنيسابور، وطلب هذا الشأن وهو كبير، له نيف وعشرون سنة، ثم رحل وسمع بنيسابور١ وبغداد والكوفة وطبرية ودمشق ومكة والبصرة وحلب والثغور٢.
شيوخه:
وسمع أحمد بن المَاسَرْجِسِى٣، ومحمد بن شادل٤، وإمام الأئمة ابن خزيمة، وأبا العباس السَرّاج، وأبا بكر محمد بن محمد الباغَنْدي٥، وعبد الله بن زيدان البَجَلي، وأبا جعفر محمد بن الحسين الخثعمي، وأبا القاسم البغوي، وابن أبي داود، ومحمد بن إبراهيم الغازي، ومحمد بن الفيض الغساني، ومحمد بن خريم، وأبا الطيب الحسين بن موسى الرقى، نزيل إنطاكية، وأبا عَرُوبة٦ الحَرَّاني، وعبد الرحمن بن عبيد الله أخي الإمام الحلبي، وأبا الجهم أحمد بن الحسين بن طلاب، ومحمد بن أحمد بن سلم الرقي، وأبا الحسن أحمد بن جوصاء الحافظ، وسعيد بن عبد العزيز الحلبي، ثم الدمشقي، وصدقة بن منصور الكندي الحراني، ومحمد بن سفيان المصيصي الصقار، ويحيى بن محمد بن صاعك، ومحمد بن إبراهيم الديبلي،
_________
١ نَيْسابور: بفتح النون وسكون الياء وفتح السين المهملة وسكون الألف، وضم الباء الموحدة وبعدها واو وراء –هذه النسبة إلى نيسابور وهي أحسن مدن خراسان وأجمعها للخيرات. اللباب.
٢ الثغر: بالفتح ثم السكون، وراء كل موضع قرب من أرض العدو وسمي ثغرًا من ثغرة الحائط؛ لأنه يحتاج أن يحفظ لئلا يأتي العدو منه، والثغور كثيرة، ومنها الثغور بالشام. مراصد الإطلاع ١/٢٩٧.
٣ الماسَرْجِسي: بفتح الميم والسين المهملة، وسكون الراء، وكسر الجيم والسين الثانية، هذه النسبة إلى ماسرجسي، وهو اسم لجد أبي علي الحسن بن عيس بن ماسرجسي النيسابوري الماسرجسي. اللباب ٣/١٤٧.
٤ شادِل: بكسر الدال، وهو محمد بن شادل بن علي النيسابوري، صاحب إسحاق بن راهويه، تبصير المنتبه ٢/٧٦٤.
٥ البَاغَندي: بفتح الباب الموحدة والغين المعجمة، وسكون النون وفي آخرها الدال المهملة، نسبة إلى باغند، قرية من قرى واسعة، اللباب ١/١١١.
٦ أبا عَرُوبة: بفتح وضم الراء، والحراني: بفتح الحاء وتشديد الراء، وفي آخرها نون، نسبة إلى حران، وهي مدينة بالجزيرة. اللباب ١/٣٥٣، تبصير المنتبه ٢/٤٩٣
1 / 7
رحلاته:
لم يكتف الإمام الذهبي بما وجد منه في بلده فرحل وجدّ في الرحيل فوصل إلى حلب وحمص وحماه وطرابلس ونابلس والرملة والقاهرة والإسكندرية والحجاز والقدس وغيرها (١) .
وسمع ما لا يحصى كثرة من الكتب والأجزاء ولقي كثيرًا من الشيوخ، وسمع منهم كما سمع منه الجمع الكثير، وما زال يخدم هذا الفن إلى أن رسخت فيه قدمه، وتعب الليل والنهار، وما تعب لسانه وقلمه، وضربت باسمه الأمثال، وسار اسمه مسير الشمس، إلا أنه لا يتقلص إذا نزل المطر، ولا يدبر إذا أقبلت الليال، وأقام بدمشق يرحل إليه من سائر البلاد، وتناديه السؤالات من كل ناد، وهو بين أكنافها كنف لأهليها، وشرف تفتخر به الدنيا وما فيها، طورًا نراها ضاحكة عن تبسم أزهارها، وقهقهة غدرانها، وتارة تلبس ثوب الوقار والفخار بما اشتملت عليه من أمامها المعدود في سكانها (٢) .
شيوخه ومن سمع منهم:
جالس الذهبي أكثر الشيوخ وتعلم في العديد من المدارس، فسمع بدمشق من عمر بن القواس، وأحمد بن هبة بن عساكر، ويوسف بن أحمد الغسولي وغيرهم، وببعلبك من عبد الخالق بن علوان، وزينب بنت عمر ابن كندي وغيرهما، وبمصر من أبي المعالي أحمد بن إسحاق بن محمد الأَبَرْقُوهي (٣)، وعيسى بن عبد المنعم بن شهاب، وجمال الدين أبا العباس أحمد بن محمد بن عبد الله المعروف بابن الظاهري (٦٢٦-٦٩٦) .
قال في تاريخ الإسلام: وبه افتتحت السماع بالديار المصرية، وبه اختتمت، وعنده نزلت وعلى أجزائه اتكلت، وقال في ترجمته من معجم شيوخه (ق٢٥٧): ودعته في ذي القعدة سنة خمس وتسعين، فقال لي: " ...، وشيخ الإسلام ابن دقيق العيد وغيرهم".
_________
١ الوافي بالوفيات للصفدي ٢/١٦٤-١٦٥.
٢ طبقات الشافعية للسبكي ٩/١٠٣.
٣ الأبَرْقُوهي: بفتح أوله وثانيه، وسكون الراء وضم القاف وهاء محضة، نسبة إلى أبرقوه، بلد قرب يزد، وقيل بليدة بنواحي أصبهان. معجم البلدان ١/٥٨، اللباب ١/٢٤.
1 / 8
وسمع بالإسكندرية من أبي الحسن علي بن أحمد الغرافي، وأبي الحسين يحيى بن أحمد بن الصواف وغيرهما.
وبمكة من التوزري وغيره، وبحلب من سنقر الزيني وغيره، وبنابلس من العماد بن بدران (١) .
تلاميذه:
واصل الذهبي خدمته للحديث الشريف، وانتشرت مؤلفاته وتحقيقاته، فأحبه الجميع وخاصة طلاب العلم، الذين رحلوا إليه من كل حدب وصوب لينهلوا من فيض علمه، وليسمعوا مؤلفاته، حتى وصفه الشوكاني بقوله: "وجميع مصنفاته مقبولة مرغوب فيها، رحل الناس لأجلها وأخذوها عنه، وتداولوها وقرأوها وكتبوها في حياته، وطارت في جميع بقاع الأرض، وله فيها تعبيرات رائعة وألفاظ شيقة ... " (٢) .
مؤلفات الإمام الذهبي:
ما تزال آثاره -من مصنفات ومختصرات ومستخرجات- والتي تقارب المائة (٣) دلائل صادقة على حياته الحافلة بالتعلم والتعليم، وجهاده المتواصل في خدمة العلم، وعلى مدى ما بذل في خدمة السنة النبوية المشرفة، وقد امتازت مؤلفاته بتحقيقها العلمي الدقيق، وبأسلوبها الشيق الجميل، ومعظمها في التاريخ والتراجم والحديث، وقد قال الصفدي فيه: "ولم أجد عنده جمود المحدثين ولا كودنة (٤) النقلة، بل هو فقيه النظر له دربة بأقوال الناس، ومذاهب الأئمة من السلف وأرباب المقالات، وأعجبني منه ما يعانيه في تصانيفه من أنه لا يتعدى حديثًا يورده حتى يبين ما فيه من ضعف متن أو ظلام إسناد، أو طعن في رواته، وهذا لم أر غيره يراعي هذه الفائدة فيم يورده" (٥) .
_________
١ طبقات الشافعية للسبكي ٩/١٠٢.
٢ البدر الطالع ٢/١١١.
٣ في ذيل تذكرة الحفاظ للحسيني: ومصنافته ومختصراته وتخريجاته تقارب المائة.
قلت أحصاها إحصاء دقيقًا الدكتور بشار عواد في كتابه الذهبي ص٢٧٦ فبلغت ٢١٤ مصنف، ما عدا بعض التخريجات المتنوعة.
٤ الكودن: البرذون يوكف، ويشبه به البليد. لسان العرب مادة (كدن) .
٥ الوافي بالوفيات للصفدي ٢/١٦٣.
1 / 9
ذكر فيه ما مضى في التاريخ من أول تاريخ الإسلام إلى عصره من وفيات كبار المحدثين وغيرهم.
- تاريخ النبلاء.
- الدول الإسلامية.
- طبقات القراء، وسماه "معرفة القراء الكبار على الطبقات والأعصار".
- تذكرة الحفاظ.
- ميزان الاعتدال.
- كتاب المشتبه في الأسماء والأنساب.
- نبأ الدجال.
- تذهيب تهذيب الكمال.
- المقتنى في سرد الكنى، وهو هذا الكتاب الذي بأيدينا.
- من تكلم فيه وهو موثق (١) .
- اختصار كتاب الأطراف للمزي.
- الكاشف في معرفة من له رواية في الكتب الستة. (اختصار التذهيب) .
- اختصار السنن الكبرى للبيهقي.
- تنقيح أحاديث التعليق لابن الجوزي.
- المستحلى، اختصار المحلى لابن حزم.
- المغني في الضعفاء.
- ديوان الضعفاء والمتروكين وخلق من المجهولين وثقات فيهم لين.
- العبر في خبر من غبر.
- اختصار المستدرك للحاكم.
- اختصار تاريخ ابن عساكر.
- اختصار تاريخ الخطيب.
_________
١ حققه الأخ الدكتور الشيخ: عبد الله ضيف الله الرحيلي لنيل درجة الماجستير.
1 / 10
والعباس بن الفضل بن شاذان الرازي المقرئ، ومحمد بن مروان ابن عبد الملك البزاز الدمشقي، كذا يسميه، وهو محمد بن خريم العقلي، وعبد الله بن عتاب الزفتي، ومحمد بن أحمد بن المستنير المصيصي، وعلي بن عبد الحميد الغضايري، ويوسف بن يعقوب مقرئ واسط، ومحمد بن المسيب الأرغياني، وعبد الرحمن بن أبي حاتم، وخلقًا كثيرًا بالشام والعراق والجزيرة والحجاز وخراسان والجبال، وكان من بحور العلم.
تلاميذه:
حدث عنه أبو عبد الله الحاكم، وأبو عبد الرحمن السُّلمي (١)، ومحمد ابن علي الأصبهاني الجصاص، ومحمد بن أحمد الجارودي، وأبو بكر بن علي بن مَنجُوية (٢)، وأبو حفص بن مسروق، وصاعد بن محمد القاضي، وأبو سعد محمد بن عبد الرحمن الكنجروذي، وأبو عثمان سعيد بن محمد البحيري وآخرون.
ذكره الحاكم بن البيع فقال: "هو إمام عصره في هذه الصنعة، كثير التصنيف، مقدم في معرفة شروط الصحيح، والأسامي والكنى، طلب الحديث وهو ابن نيف وعشرين سنة" إلى أن قال: "ولم يدخل مصر، وكان مقدمًا في العدالة أولًا، وَلِيَ القضاء في سنة ثلاث وثلاثين وثلاثمائة إلى أن قلد قضاء الشاش، فذهب وحكم بها أربع سنين وأشهرًا، ثم قلد قضاء طوس، وكنت أدخل إليه والمصنفات بين يديه فيحكم، ثم يقبل على الكتب، ثم أتى نيسابور سنة خمس وأربعين ولزم مسجده ومنزله، مفيدًا مقبلًا على العبادة والتصنيف، وأريد غير مرة على القضاء، فيستعفى، قال: وكُفّ بصره سنة ست وسبعين، ثم توفى وأنا غائب".
وقال الحاكم أيضًاَ: "كان أبو أحمد من الصالحين الثابتين على سنن السلف، ومن المنصفين فيما نعتقده في أهل البيت والصحابة، قلد القضاء في أماكن، وصنف على كتابي الشيخين، وعلى جامع أبي عيسى، قال لي:
_________
١ السُلمي: بضم السين وفتح اللام، ثم ميم، نسبة إلى سُليم بن منصور بن عكرمة، وهي قبيلة مشهورة. اللباب ٢/١٢٨.
٢ منجويه: بفتح الميم. تبصير المنتبه ٣/١٠٨٥.
1 / 11
سمعت عمر بن علك يقول: مات محمد بن إسماعيل ولم يخلف بخراسان مثل أبي عيسى الترمذي في العلم والزهد والورع، بكى حتى عمي".
ثم قال الحاكم أبو عبد الله: "وصنف الشيوخ والأبواب إلى أن قال: وهو حافظ بهذه الديار، وقال أبو عبد الرحمن السلمي: سمعت أبا أحمد الحافظ يقول: حضرت مع الشيوخ عند أمير خراسان نوح بن نصر، فقال: من يحفظ منكم حديث أبي بكر في الصدقات، فلم يكن فيهم من يحفظه، وكان علي خلقان وأنا في آخر الناس، فقلت لوزيره أنا أحفظه، فقال: ها هنا فتى من نيسابور يحفظه، فقدمت فوقهم ورويت الحديث، فقال الأمير مثل هذا لا يضيع، فولاني قضاء الشاش".
قال أبو عبد الله بن البيع: "تغير حفظ أبي أحمد لما كُفّ، ولم يختلط قط".
وفاته:
توفي أبو أحمد في شهر ربيع الأول سنة ثمان وسبعين وثلاث مائة وله ثلاث وتسعون سنة (١) .
_________
١ انظر مصادر ترجمته في: سير أعلام النبلاء ١٠/٢٤٠ مخطوط، عيون التواريخ ١٢/٢٠٩، طبقات الشافعية للأسنوي ١١/٤٢٠، المنتظم ٧/١٤٦، الكامل ٩/٢٠، النجوم الزاهرة ٤/١٥٤، المختصر في أخبار البشر ٢/١٣٢، مرآة الجنان ٢/٤٠٨، الوافي بالوفيات ١/١١٥، تذكرة الحفاظ ٣/٩٧٦، نكت الهميان: ٢٧٠، الرسالة المستطرفة: ٩١، وشذرات الذهب ٣/٩٣، طبقات الحفاظ: ٣٨٨.
1 / 12
ترجمة موجزة عن الإمام الذهبي (١):
اسمه ونسبه:
هو محمد بن أحمد بن عثمان بن قايماز بن عبد الله التركماني الأصل، الفارقي (٢) ثم الدمشقي الحافظ أبو عبد الله شمس الذين الذهبي (٣) الشافعي (٤) .
أصل نسبة الذهبي:
يرجع أصل هذه النسبة إلى الذهب وتخليصه وإخراج الغش منه (٥)، وقد كان بحق ذهبي عصره، كما وصفه بذلك تلميذه تاج الدين السبكي بقوله: " ... إمام الوجود حفظًا وذهب العصر معنى ولفظًا ... " (٦) .
ولادته:
ولد الإمام الذهبي سنة (٦٧٣هـ) ثلاث وسبعين وستمائة في دمشق (٧) .
بدء عنايته بطلب العلم:
بدأ الذهبي يعتني بطلب العلم حينما بلغ الثامنة عشر من عمره سنة (٦٩٠هـ) .
وقد كان مهتمًا بعلم الحديث الذي عنى به عناية خاصة، ومال إلى سماعه حتى طغى على كل تفكيره واستغرق كل حياته بعد ذلك، إضافة إلى اهتمامه بعلم القراءات والتاريخ.
_________
١ انظر ترجمته في: طبقات الشافعية للسبكي ٩/١٠٠، والنجوم الزاهرة لابن تغري بردي ١٠/١٨٢، ونكت الهميان في نكت العميان للصفدي: ٢٤١، والبدر الطالع للشوكاني ٢/١١٠، والدارس في تاريخ المدارس للنعيمي ١/٧٨، والوافي بالوفيات للصفدي ٢/١٦٣، والبداية والنهاية لابن كثير ١٤/٢٢٥، ومفتاح السعادة لطاش كبرى زاده ١/٢٦١، وغير ذلك من كتب التاريخ والتراجم.
٢ نسبة إلى ميافارقين، اسم لمدينة من أشهر مدن ديار بكر. معجم البلدان لياقوت الحموي ٤/٧٠٣.
٣ ويجوز فيه (ابن الذهبي) كما ورد في المغني للذهبي ١/٣ في الهامش، والكاشف للذهبي ١/٤٩.
٤ الدرر الكامنة لابن حجر ٣/٤٢٦.
٥ اللباب ١/٥٣٥.
٦ طبقات الشافعية للسبكي ٩/١٠٠.
٧ الدارس في تاريخ المدارس للنعيمي ١/٧٨.
1 / 13
- اختصار تاريخ نيسابور.
- الكبائر.
- تحريم الأدبار.
- أحاديث مختصر الحاجب.
- توقيف أهل التوفيق على مناقب الصديق.
- نعم السمر في سيرة عمر.
- التبيان في مناقب عثمان.
- فتح المطالب في أخبار علي بن أبي طالب.
- معجم أشياخه.
- اختصار كتاب "الجهاد" لبهاء الدين ابن عساكر.
- ما بعد الموت.
- اختصار كتاب القدر للبيهقي.
- هالة البدر في عدد أهل بدر.
- اختصار تقويم البلدان لصاحب حماة (١) .
- نفض الجعبة في أخبار شعبة.
- قضّ نهارك بأخبار ابن المبارك.
- أخبار أبي مسلم الخراساني.
هذا وقد ذكر مؤلفاته الدكتور بشار عواد في كتابه (الذهبي ومنهجه في كتابه تاريخ الإسلام) وتكلم على كل واحد منها مطبوعًا أو مخطوطًا بشكل مفصل.
وهناك كتابات متخصصة صدرت عن الذهبي مثل:
- الذهبي ومنهجه في كتابه تاريخ الإسلام. بشار عواد.
- تقدمة الدكتور صلاح الدين المنجد لكتاب سير أعلام النبلاء.
- ما كتبه حسام الدّين القدسي في مقدمة الجزء الأول من تاريخ الإسلام.
ما كتبه الدكتور مصطفى جواد في مقدمة المختصر المحتاج إليه.
شعره:
وقد عنى الذهبي في مطلع حياته العلمية برواية الشعر، وأورد طائفة من الأشعار
_________
١ هو أبو الفداء عماد الدين إسماعيل بن علي بن محمد المتوفى (٧٣٢هـ) .
1 / 14
عن شيوخه، وذكرت لنا مصادر ترجمته بعضًا من نظمه في المدح (١) .
وكان كثير الاعتناء بالشعراء، تدل على ذلك تراجمهم الواسعة في كتابه "تاريخ الإسلام" والنماذج الشعرية الكثيرة التي أوردها، ومن شعره قوله:
إذا قرأ الحديث على شخص ... وأخلى موضعًا لوفاة مثلي
فما جازى بإحسان لأني ... أريد حياته ويريد قتلي
مشيخته:
قال النعيمي: "وولي مشيخة الظاهرية قديمًا، ومشيخة النفيسية والفاضلية والسكرية وأم الصالح، وغير ذلك" (٢) .
وفاة الإمام الذهبي:
شاخ الذهبي وقارب السبعين إلا أنه لم يفقد نشاطه ولم يتحول عن آرائه، وكانت تآليفه قد كثرت وشاعت، وصيته قد ذاع وطار حتى صار مؤرخ الإسلام ومحدث العصر، وهو لا يتعب ولا يتوقف والنور يخبو من عينيه شيئًا فشيئًا حتى أضرّ في أواخر حياته، قبل موته بأربع سنين أو أكثر بماء نزل في عينيه، فكان يتأذى ويغضب إذا قيل له: لو قدحت هذا لرجع إليك بصرك، ويقول: ليس هذا بماء، وأنا أعرف بنفسي لأني ما زال بصري ينقص قليلًا قليلًا إلى أن تكامل عدمه.
قال ابن كثير: "وفي ليلة الاثنين ثالث شهر ذي القعدة، توفي الشيخ الحافظ مؤرخ الإسلام وشيخ المحدثين شمس الدين أبو عبد الله محمد بن عثمان الذهبي بتربة أم صالح، وصلي عليه يوم الاثنين صلاة الظهر في جامع دمشق، ودفن بباب الصغير، وقد ختم به شيوخ الحديث وحفاظه ﵀" (٣) .
ثناء العلماء عليه:
لا بد وأن أشير إلى ثناء العلماء عليه وشهادتهم له بالفضل والعلم، وخاصة في علم الحديث، فقد وصفه تلميذه صلاح الدين الصفدي المتوفى سنة (٧٦٤هـ)
_________
١ طبقات الشافعية للسبكي ٩/١٠٦.
٢ الدارس في تاريخ المدارس ١/٧٩.
٣ البداية والنهاية ١٤/٢٢٥.
1 / 15
بقوله: "الشيخ الإمام العلامة الحافظ شمس الدين أبو عبد الله الذهبي، حافظ لا يجارى، ولافظ لا يبارى، أتقن الحديث ورجاله، ونظر علله وأحواله، وعرّف تراجم، وأزال الإيهام في تواريخهم والإلباس، ذهن يتوقد ذكاؤه، ويصح إلى الذهب نسبته وانتماؤه، جمع الكثير ونفع الجم الغفير، وأكثر من التصنيف، ووفر بالاختصار مؤونة التطويل في التأليف، اجتمعت به وأخذت عنه وقرأت عليه كثيرًا من تصانيفه، ولم أجد عنده جمود المحدثين، ولا كودنة النقلة (١) .
ووصفه تلمذه شمس الدين أبو المحاسن محمد بن علي الحسيني المتوفى (٧٦٥هـ) بأنه: "الشيخ الإمام العلامة شيخ المحدثين، قدوة الحفاظ والقراء، محدث الشام ومؤرخه ومفيده" (٢) .
_________
١ الوافي ٢/١٦٣.
٢ ذيل تذكرة الحفاظ ٣٤.
1 / 16
الباب الأول
الفصل الأول: عناية المحدثين بالكنى
...
الفصل الأول: عناية المحدثين بالكنى
إن معرفة الكنى من العلوم التي تمس إليها الحاجة وخاصة عند المحدثين، ولذلك أعطوها من العناية البالغة ما تستحق، فبذلوا ما بوسعهم لتمحيصها وتعيين أصحابها، ودققوا النظر فيها كثيرًا، فأحاطوا بجميع جزئياتها.
وإن هذا الاهتمام يدل على أهمية هذا العلم وما يترتب عليه، ومن المعلوم أن السند الصحيح المتصل في هذه الأمة يعتبر من خصائصها، لا تشاركها فيه أمة أخرى، فقد حفظت شريعتها وأحكام دينها وتناقلتها الأجيال الأولى بالسند المتصل إلى المُشَرِّع دون انقطاع، لذلك فقد اعتم علماء الحديث بدراسة السند والعناية بكل ما يتعلق به.
وعناية المحدثين بالكنى ترجع إلى الأخطاء الجسيمة التي تترتب على الجهل بها حيث أن الراوي يذكر مرة باسمه، ومرة بكنيته، فيظنها من لا معرفة له رجلين، وربما ذكر بهما معًا فيتوهم أنهما رجلين، ومثال ذلك:
"الحديث الذي رواه الحاكم في المعرفة من رواية أبي يوسف عن أبي حنيفة عن موسى بن أبي عائشة عن عبد الله بن شداد عن أبي الوليد عن جابر مرفوعًا: "من صلى خلف الإمام فإن قراءته له قراءة" (١)، وقال: قال الحاكم: عبد الله بن شداد هو أبو الوليد، بيَّنه ابن المديني.
وقد اشتهر بعض الرواة لكناهم فورد ذكرهم في أسانيد الأحاديث دون التصريح بأسمائهم أو بالتصريح بها مرة، وإغفالها والاكتفاء بالكنية مرة أخرى، وقد بيّن هذا الإمام الذهبي في مقدمة كتابه "المقتنى" -الذي بأيدينا- فقال: "فإن الناس أقسام، منهم من اسمه كنيته، أو لا يعرف بغير كنيته، ومنهم
_________
١ والحديث ضعيف، تكلم عليه محقق سنن الدارقطني ١/٣٢٣، والبيهقي في المعرفة، والزيلعي في نصب الراية ٢/٧.
1 / 19
من اشتهر بالكنية وخفي اسمه، ومنهم من اشتهر باسمه أو نسبه وخفيت كنيته، ومنهم من اشتهر بالأمرين، ومنهم من لا يعرف سواء سمي أو كني" ا. هـ.
وقد قسم الإمام النووي في التقريب هذا النوع إلى تسعة أقسام، فقال (١):
الأول: من سمي بالكنية لا اسم له غيرها، وهم ضربان:
أ- من له كنية كأبي بكر بن عبد الرحمن أحد الفقهاء السبعة، اسمه أبو بكر وكنيته أبو عبد الرحمن.
ومثله أبو بكر بن عمرو بن حزم، كنيته أبو محمد، قال الخطيب: لا نظير لهما، وقيل: لا كنية لابن حزم.
ب- من لا كنية له كأبي بلال عن شريك، وكأبي حصين بفتح الحاء عن أبي حاتم الرازي.
الثاني: من عرف بكنيته، ولم يعرف أله اسم أم لا؟ كأبي أُنَاس (٢) بالنون، صحابي، وأبي مُوَيْهِبة (٣) مولى رسول الله ﷺ، وأبي شيبة الخدري، وأبي الأبيض عن أنس، وأبي بكر بن نافع مولى ابن عمر، وأبي النجيب بالنون المفتوحة، وقيل بالتاء المضمومة، وأبي حَرِيز (٤) بالحاء والزاي المَوْقِفي (٥)، والموقف محلة بمصر (٦) .
الثالث: من لقب بكنية وله غيرها اسم وكنية، كأبي تراب علي بن أبي طالب أبي الحسن، وأبي الزناد عبد الله بن ذكوان، وأبي عبد الرحمن، وأبي الرجال محمد بن عبد الرحمن أبي عبد الرحمن، وأبي تُمَيْلة (٧) يحيى بن واضح، وأبي الآذان الحافظ عمر بن إبراهيم أبي بكر، وأبي الشيخ الحافظ عبد الله بن محمد، وأبي حازم العبدوي عمر بن أحمد أبي حفص.
_________
١ تدريب الراوي ٢/٢٨٠-٢٨٦، قال السيوطي في الحاشية: ابتكرها ابن الصلاح، انظر: علوم الحديث لابن الصلاح ص٢٩٦
٢ أنَاس: بضم الهمزة وفتح النون. الإصابة ٧/٢٣، تبصير المنتبه ١/٢٨.
٣ مُوَيهَبة: بضم الميم وفتح الواو. الإصابة ٧/٣٩٣.
٤ أبو حَرِيز: بمفتوحة وكسر راء وبزاي. المغني.
٥ المَوْقفي: بمفتوحة وكسر قاف ففاء. المغني.
٦ قال السخاوي في الفتح ٣/٢٠٢: وبالجملة فأمثلة هذا القسم قليلة، وقَلَّ أن تخلو من خدش، وما أظرف قول بعض هؤلاء لابنه وقد سأله عن اسمه: يا بني إن أباك ولد بعد أن قسمت الأسماء.
٧ تُمَيلة: بالتصغير. تقريب ٢/٤٠٣.
1 / 20
الرابع: من له كنيتان أو أكثر كابن جريج أبي الوليد وأبي خالد، ومنصور الفُرَاوي (١) أبي بكر وأبي الفتح وأبي القاسم.
الخامس: من اختلف في كنيته كأسامة بن زيد، وقيل أبو محمد، وقيل: أبو عبد الله، وقيل: أبو خارجة، وخلائق لا يحصون، وبعضهم كالذي قبله.
السادس: من عرفت كنيته واختلف في اسمه كأبي بصرة الغفاري، حميل بضم الحاء المهملة على الأصح، وقيل: بجيم مفتوحة، وأبي جُحَيْفة (٢) وهب، وقيل: وهب الله، وأبي هريرة، عبد الرحمن بن صخر على الأصح من ثلاثين قولًا، وهو أول مكنى بها، وأبي بُرْدة بن أبي موسى.
قال الجمهور: عامر وابن معين: الحارث، وأبي بكر بن عيّاش (٣) المقري فيه نحو أحد عشر، قيل: أصحها شعبة، وقيل أصحها اسمه كنيته.
السابع: من اختلف فيهما كسَفِينة (٤) مولى رسول الله ﷺ، قيل: عمير، وقيل: صالح، وقيل: مِهران (٥) أبو عبد الرحمن، وقيل: أبو البختري.
الثامن: من عرف بالاثنين كآباء عبد الله أصحاب المذاهب (٦)، سفيان الثوري ومالك، ومحمد بن إدريس الشافعي، وأحمد بن حنبل. وغيرهم.
التاسع: من اشتهر بهما مع العلم باسمه كأبي إدريس الخّوْلاني (٧) عائذ الله ﵃ أجمعين (٨) .
_________
١ الفراوي: بفتح الفاء وقيل بضمها. المغني.
٢ جحيفة: بالتصغير. تقريب ٢/٤٠٥.
٣ عياش: بفتح العين والياء المشددة. تبصير المنتبه ٣/٨٩٧.
٤ سفينة بفتح السين وكسر الفاء. الإصابة ٣/١٣٢، تقريب ١/٣١٢.
٥ مهران: بكسر ميم. مغني.
٦ عبارة السخاوي في الفتح ٢/٢٠٥: كالأئمة الأربعة آباء عبد الله، مالك والشافعي وأحمد وأبي حنيفة النعمان بن ثابت.
٧ الخولاني: بفتح خاء ونون. مغني.
٨ وقد أضاف السخاوي في الفتح قسمًا عاشرًا، فقال: والعاشر من اشتهر بكنيته دون اسمه، وإن كان اسمه معنيًا معروفًا، ومنه: أبو الضحى -بضم الضاد المعجمة ثم حاء مفتوحة- كنية لمسلم بن صُبَيح بضم المهملة ثم موحدة مفتوحة، وآخره مهملة. ثم قال: ومما يلتحق بالكنى نوعان أهملهما ابن الصلاح وأتباعهم من وافقت كنيته اسم أبيه، كأبي إسحاق إبراهيم بن إسحاق المدني ٢/٢٠٥.
1 / 21
الفصل الثاني: في بيان المصنفات في الكنى
...
الفصل الثاني: في بيان أشهر المصنفات في الكنى
إن هذا النوع من العلوم ظهر منذ التصنيف في علم الرجال، مما يدل على بروز مشكلة تحديد الأسماء وتمييزها، ومعرفة الكنى من أول هذه الفترة المبكرة.
ومنذ ذلك الوقت ظهرت المصنفات في معرفة الكنى والأسماء، وسأذكر أهمها فيما يلي:
١- الكنى لابن الكلبي: هشام بن محمد بن السائب بن بشر، المتوفى سنة أربع ومائتين.
٢- كنى الأشراف: للهيثم بن عدي، المتوفى سنة أربع وثلاثين ومائتين.
٣- كتاب الكنى: للإمام علي بن المديني، المتوفى سنة أربع وثلاثين ومائتين، وقد ذكره الإمام السيوطي في كتابه تدريب الراوي ٢/٢٧٩.
٤- كتاب الكنى: للإمام أحمد بن حنبل، المتوفى سنة إحدى وأربعين ومائتين.
٥- كتاب الكنى: للإمام محمد بن إسماعيل البخاري، المتوفى سنة ست وخمسين ومائتين، وهو جزء من التاريخ الكبير ومعظمه فيمن عرف بكنيته ولم يعرف اسمه، وقد رتب أبواب الكنى على حروف المعجم، أما الكنى فهي غير مرتبة، فيبدأ بحرف الهمزة بمن كنيته (أبو أمية) ثم ينتقل إلى من كنيته (أبو أمامة) وإذا كان المترجم صحابيًا فيقول: له صحبة، كقوله في باب الحاء: أبو الحسن المازني جد يحيى بن عمارة له صحبة.
وكثيرًا ما يروي لصاحب الكنية المترجم له حديثًا يسنده، كقوله في حرف الجيم: أبو الجراح المهري، حدثنا أبو عاصم عن أبي الجراح، عن جابر بن الصبح عن أم شراحيل، عن أم عطية أن النبي ﷺ بعث عليًا في سرية، فسمعته يقول: "اللهم لا تمتني حتى تريني عليًا".
1 / 22
وقد يكتفي الإمام البخاري في بعض التراجم بذكر كنية المترجم له مع ذكر شيخ من شيوخه أو أكثر، وأحد تلاميذه، كقوله في حرف الألف: أبو إسحاق الكوفي، عن الشعبي وأبي حريز، روى عنه هشيم.
ولا يذكر أي لفظ من ألفاظ الجرح أو التعديل كما يفعل غيره.
وقد طبع هذا الكتاب مع التاريخ الكبير في مجلد مستقل للمرة الأولى بمطبعة مجلس دائرة المعارف العثمانية -حيدر أباد الدكن- ١٣٦٠هـ.
٦-كتاب الكنى والأسماء (١): للإمام مسلم بن الحجاج النيسابوري، المتوفى سنة إحدى وستين ومائتين، ومعظمه فيمن عرفت كنيته واسمه، وقد جاء في تهذيب التهذيب ما نصه: "قال الحاكم: ومن تأمل كتاب مسلم في الكنى علم أنه منقول من كتاب محمد حذو القذة بالقذة، وتجلد في نقله حق الجلادة إذ لم ينسبه إلى قائله" (٢) .
ولكن بعد المقارنة بين الكتابين تبين ما يلي:
أولًا: معظم كتاب البخاري فيمن عرفت كنيته ولم يعرف اسمه بينما الكنى والأسماء للإمام مسلم معظمه فيمن عرفت كنيته واسمه.
ثانيًا: الاختلاف من حيث الترتيب، حيث يبدأ كتاب الكنى للإمام البخاري في باب الألف فيمن كنيته (أبو أمية) ثم ينتقل إلى باب من كنيته (أبو أمامة) ثم ينتقل إلى باب من كنيته (أبو إبراهيم) ثم إلى باب من كنيته (أبو الأشعث) ثم إلى باب من كنيته (أبو الأسود) ثم إلى باب من كنيته (أبو إسحاق) . ويذكر في هذا الباب ترجمتين، وهما:
أ- أبو إسحاق مولى بني هاشم، عن ذكوان مولى عائشة....
ب- أبو إسحاق الكوفي، عن الشعبي وأبي حريز، روى عنه هشيم.
_________
١ مخطوط في دار الكتب المصرية (٢٢٢طلعت) ٧٦ ورقة قياس ٢٥×١٧سم، وتوجد منه نسخة في دار الكتب الظاهرية بدمشق (٢٥٨٢) ونسخة ثالثة في شهيد علي بتركيا (١٩٣١) ورابعة في باتنه بتركيا أيضًا ٢: ٥٣٨ رقم (٢٨٩٨) وذكر سزكين وجود نسخة أخرى في مكتبة أحمد الثالث ٢٩٦٩- ٣ وتقع في ٦٠ ورقة، تاريخ التراث العربي ١/٣٦٩.
وقد حققه الأخ الأستاذ عبد الرحيم القشقري لنيل درجة الماجستير.
٢ تهذيب التهذيب ٥/٣٥٨.
1 / 23
أما كتاب الكنى والأسماء: للإمام مسلم فيبدأ مباشرة بمن كنيته أبو إسحاق، مثال ذلك:
أ-أبو إسحاق سعد بن أبي وقاص مالك بن وهيب بن عبد مناف بن زهرة بن كلاب القرشي، شهد بدرًا مع النبي ﷺ.
ب- أبو إسحاق كعب بن ماتع الحميري الحبر، ويقال: الأحباري، روى عنه ابن عباس وابن عمر وأبو هريرة وابن الزبير.
ثم ذكر في هذا الباب تسعة وخمسين ترجمة جميعها فيمن عرف بكنيته واسمه ما عدا الترجمتين الأخيرتين، فهما ممن عرف بالكنية فقط وهما:
أ- أبو إسحاق مولى عبد الله بن الحارث عن أبي هريرة، روى عنه سعيد المقبري.
ب- أبو إسحاق، عن أبي هريرة، روى عنه يحيى بن أبي كثير.
ثم ينتقل من كنيته (أبو إسماعيل) ثم إلى (أبي إبراهيم) ثم إلى (أبي أيوب) ثم إلى (أبي أحمد) ... وهكذا.
ثالثًا: اتفق كل من كتاب الإمام مسلم والإمام البخاري في عدم ترتيب الكنى داخل الأبواب، ففي حرف الباء مثلًا: يبدأ البخاري بمن كنيته (أبو بكر) ثم ينتقل إلى من كنيته (أبو بردة) ثم إلى باب من كنيته (أبو بشير) ثم إلى باب من كنيته (أبو بشر) ثم إلى من كنيته (أبو البختري) ثم إلى من كنيته (أبو بصير) ثم إلى (أبي بسرة) ثم إلى (أبي بحر) ثم إلى (أبي بسطام) ثم إلى (أبي بريدة) ثم إلى (أبي البياع) ثم إلى (أبي بيان) ثم إلى (أبي البلاد) ثم إلى (أبي بلج) ثم إلى (أبي البداح) ثم إلى (أبي بدر) ثم إلى (أبي برد)، وهو نهاية حرف الباء.
أما الإمام مسلم فيبدأ بمن كنيته (أبو بكر) ثم ينتقل إلى من كنيته (أبو بشر) ثم إلى (أبي بحر) ثم إلى (أبي بردة) ثم إلى (أبي بكير) ثم إلى (أبي بكرة) ثم إلى (أبي البختري) ثم إلى (أبي بسطام) ثم إلى (أبي بلج) ثم إلى (أبي بسر) ثم إلى (أبي بلال) ثم إلى (أبي بدر) ثم إلى (أبي برزة) وبعد ذلك يذكر الإمام مسلم بابًا في آخر حرف الباء سماه (باب كنى شتى) فذكر فيه: (أبو برزة) و(أبو بصرة) و(أبو بريد) و(أبو بكار) و(أبو بشير) و(أبو بحرية) و(أبو
1 / 24
البزري) و(أبو البدل) و(أبو البهلول) و(أبو البيدق) وجميع التراجم في هذا الباب فيمن عرف باسمه وكنيته.
ويذكر الإمام البخاري في نهاية الكتاب من غلب على اسمه كنيته وله اسم فيقول: "وفي الأسماء من كان الغالب على اسمه كنيته وله اسم" (١) . ثم يورد (١٩٧) ترجمة، وبعد كل كنية اسم صاحبها الذي اشتهر بها، ومن أمثلة ذلك ما يلي:
أ- أبو شريح الخزاعي الكعبي، اسمه خويلد، له صحبة.
ب- أبو رافع مولى رسول الله ﷺ، اسمه أسلم، وهكذا ...
ثم يذكر بعد ذلك (الكنى من النساء) مثال ذلك:
"واسم أم هانئ بنت أبي طالب: هند، وقال بعضهم اسمها فاختة. واسم أم سلمة: هند بنت أبي أمية، وأبو أمية اسمه سهل. اسم أم حبيبة: رملة ... وهكذا.
ولم يورد الإمام مسلم في كتابه بعد حرف الياء بابًا خاصًا في كنى النساء، كما فعل الإمام البخاري.
وتجدر الإشارة إلى أن كتاب الكنى للإمام البخاري لم يرد فيه شيء من الكنى في الغين والفاء.
أما كتاب الإمام مسلم فقد تضمن بابًا لكل منهما وابتدأ باب الغين بمن كنيته (أبو غسان)، وباب الفاء بمن كنيته (أبو الفضل) .
٧- الكنى لأبي داود: صاحب السنن، المتوفى سنة خمس وسبعين ومائتين، نقل منه ابن حجر في الإصابة ٦/٢١٠.
٨- الكنى للحسين بن محمد بن زياد العبدي: أبو علي النيسابوري، المتوفى سنة تسع وثمانين ومائتين، طبقات الحفاظ للسيوطي ص٢٩٦.
٩- الكنى للفريابي جعفر بن محمد بن الحسن: المتوفى سنة إحدى وثلاثمائة، نقل منه ابن حجر في الإصابة ٤/٢١٧.
_________
١ الكنى للبخاري: ٨٣.
1 / 25