حَادِثَة شَيْئا بعد شَيْء كَانَ ذَلِك وَفَاء بِمُوجب هَذِه الْحجَّة مَعَ القَوْل بِأَن كل مَا سوى الله كَائِن بعد أَن لم يكن
قَالَ هَؤُلَاءِ فقد أخبر تَعَالَى بِأَنَّهُ (خَالق كل شَيْء) وَلَا يكون الْمَخْلُوق إِلَّا مَسْبُوقا بِالْعدمِ فَلَيْسَ شَيْء من الْمَخْلُوقَات مُقَارنًا لله كَمَا تَقوله الفلاسفة إِن الْعَالم مَعْلُول لَهُ وَهُوَ مُوجب لَهُ مفيض لَهُ وَهُوَ مُتَقَدم عَلَيْهِ بالشرف والعلية والطبع لَا بِالزَّمَانِ
إِلَى أَن قَالَ الْوَجْه الثَّانِي لَا بُد أَن يكون الْفَاعِل مَوْجُودا عِنْد وجود الْمَفْعُول لَا يجوز عَدمه عِنْد ذَلِك إِذْ الْمَعْدُوم لَا يفعل مَوْجُودا وَنَفس إِيجَابه وَفعله واقتضائه وإحداثه لَا يكون ثَابتا بِالْفِعْلِ إِلَّا عِنْد وجود الْمَفْعُول فَلَو قدر أَن فعله اقْتَضَاهُ فَوجدَ بعد عَدمه لزم أَن يكون فعله وإيجابه عِنْد عدم الْمَفْعُول الْمُوجب وَإِذا كَانَ كَذَلِك فالموجب لحدوث الْحَوَادِث إِذا قدر أَنه يفعل الثَّانِي بعد الأول من غير أَن تحدث لَهُ صفة يكون بهَا فَاعِلا للثَّانِي كَانَ الْمُؤثر التَّام مَعْدُوما عِنْد وجود الْأَثر وَهَذَا محَال
وَالْوَاحد من النَّاس إِذا قطع مَسَافَة وَكَانَ قطعه للجزء الثَّانِي مَشْرُوطًا بِالْأولِ فَإِنَّهُ إِذا قطع الأول حصل لَهُ أُمُور تقوم بِهِ من قدرَة وَإِرَادَة وَغَيرهمَا تقوم بِذَاتِهِ بهَا يصير حَاصِلا فِي الْجُزْء الثَّانِي لَا أَنه لمُجَرّد عدم الأول صَار قَاطعا للثَّانِي فَإِذا شبهوا فعله للحوادث بِهَذَا لَزِمَهُم أَن تتجدد لله أَحْوَال تقوم بِهِ عِنْد إِحْدَاث الْحَوَادِث وَإِلَّا إِذا كَانَ هُوَ لم يَتَجَدَّد لَهُ حَال وَإِنَّمَا وجد عدم الأول فحاله قبل وَبعد سَوَاء فإختصاص أحد الْوَقْتَيْنِ بالإحداث لَا بُد لَهُ من مُخَصص وَنَفس صُدُور الْحَوَادِث لَا بُد لَهُ من فَاعل وَالتَّقْدِير أَنه على حَال وَاحِدَة من الْأَزَل إِلَى الْأَبَد فَيمْتَنع مَعَ هَذَا التَّقْدِير إختصاص وَقت دون وَقت بِشَيْء مِنْهَا
وَابْن سينا وَغَيره من الْقَائِلين بقدم الْعَالم بِهَذَا احْتَجُّوا على الْمُعْتَزلَة فَقَالُوا إِذا كَانَ فِي الْأَزَل
1 / 39