وقال: الطويل
ذهبتَ من الهجرانِ في غيرِ مذهبِ ... ولمْ يكُ حقًا طولُ هذا التجنبِ
وما القلبُ أمَّا ذكرهُ ربعيةً ... تحلُّ بأيرٍ أو بأكنافِ شربَبِ
لياليَ لا تبلَى نصيحَةُ بيننا ... وإذْ أهلنُا بينَ الستَارِ فغربِ
مبتلةٌ كأنَّ أنضاءَ حليهَا ... على شادنٍ منْ صاحةٍ مترببِ
وشذرٌ كأجوازِ الجرادِ ولؤلؤٌ ... من القلقيِّ والكبيسِ الملوَّبِ
إذا ألحمَ الواشونَ للشرِّ بيننا ... تبلغَ رسُّ الحبِّ غيرُ المكذبِ
أطعتُ المُشاةَ والوشَاةَ بصرمِهَا ... فقدْ وهنَت أسبَابهَا للتقضُّبِ
ألا ليتَ شعري كيفَ حادثُ وصلِهَا ... وكيفَ تظنُّ بالإخاءِ المغببِ
وقد وعدتك موعدًا لو وفت بهِ ... كموعودِ عرقوبٍ أخاهُ بيثربِ
فعشنا بهِ منَ الشبابِ ملاوةً ... فأنجحَ أقوالَ العدو المجَببِ
فقلتُ لهَا: فيئي فما يستفزني ... ذواتُ العيونِ والبنانِ المخضَّبِ
ففَاءتْ كما فاءتْ من الأُدمِ مغزِلٌ ... ببيشةَ ترعى في أرَاكٍ وحلبِ
وداويةٍ لا يُهتدَى لسبيلها ... بعرفانِ أعلامِ ولا ضوءِ كوكَبِ
تجاوزتُهَا والبومُ يدعُوَ بها الصَّدَى ... وقد ألبستْ أطرافُها ثني غيْهَبِ
بمجفرةِ الجنبينِ حرفٌ شملةٍ ... كهملكَ مرقالٍ على الأينِ ذِعلبِ
إذا ما ضربتُ الدَّفَّ أوصلتُ صولةً ... تحاذرُ مني غير أدنى ترقبِ
بعينٍ كمرآةِ الصناعِ تديرهُا ... بمحجرهَا تحتَ النصيفِ المنقبِ
كأنَّ بحاذَيهَا إذا ما تشذَّرَتْ ... عَثاكِلَ عذْقٍ من سُمَيْحةَ مرطبِ
تذبُّ بهِ طورًا وطورًا تمرُّهُ ... كذبِّ البشير بالرداءِ المهدبِ
ومرقبةٍ لا يرفعُ الصوت عندها ... مجرُّ جيوشٍ غانمين وخيبِ
هبطتُ على أهوالِ أرضٍ أخافها ... بجانبِ منفوج الشراسيفِ شرجبِ
ممرٍّ كخذرُوفِ الوليدِ يزينهُ ... مع العتقِ خلقٌ مفعمٌ غيرُ جأنبِ
قطاةٌ ككِردَوسِ المحالة أشرفَتْ ... على حاركٍ مثل الغبيطِ المُذأْبِ
وجوفٌ هواءٌ تحتَ مَتنٍ كأنَّهُ ... منَ الهضبةِ الخلقاءِ زحلُوقُ ملْعبِ
وغلبٌ كأعناقِ الظباءِ مضيغُهَا ... صلابُ الشظا يعلو بها كلَّ مركبِ
ظماءٌ يفلقنَ الظرابَ كأنها ... حجارةُ غَيلٍ وارِستٌ بطحلبِ
بغوجٍ لبانُهُ يتمُّ بريمهُ ... على نفثِ راقٍ من نفَا العينِ محلبِ
إذا أرمَلُوا زادًا فإنَّ عنانهُ ... وأكرعَهُ مستعملًا خيرُ مكسبِ
أخو ثقةٍ لا يعلنُ القومُ شخصهُ ... صبورٌ على العلاتِ غيرُ مسببِ
صبحنَا بهِ وحشًا رتاعًا كأنها ... عذارَى بني لحيان لمَّا تحطبِ
فأتبع آثارَ الشياهِ بصادقٍ ... حثيثٍ كغيثِ الرائحِ المتحلبِ
فيخرجن منْ تحتِ الغبارِ دوافقًا ... ويلحقُ في جونٍ ذراهُ عصبصبِ
وراحَ يباري في الجنابِ قلوصَنَا ... عزيزًا علينا كالحبابِ المسيبِ
فظلَّ بناتُ الرُّملِ فينا عوانيًا ... محملةً من بينِ عدلٍ ومحقبِ
عظيمٌ طويلٌ مستميلٌ كأنهُ ... بأسفلِ ذي ماوَان سرحةُ مرقبِ
لهُ عنقٌ عردٌ كأنَّ عنانَهُ ... يعالَى بهِ في رأسِ جذعٍ مشذبِ
ظللنَا نراعي الوحش بين ثعالةٍ ... وبين رحياتٍ إلى فجِّ أخرَبِ
فيومًا على بقعٍ خفافٍ رؤوسها ... ويومًا على سُفعِ المدامعِ ربرَبِ
ويومًا على صلْتِ الجبينِ مُسحَّجٍ ... ويومًا على بيدانَةٍ أمّ تولبِ
وفئنا إلى بيتٍ بعلياء مروحٍ ... سماوتهُ من أتحميٍّ معصبٍ
فظلَّ لنا يومٌ لذيذٌ بنعمةٍ ... فقلْ في مقيلٍ سعدُهُ لم يغيبِ
إلى أن تروحنَا بلا متعنتٍ ... عليه كسيدِ الردهةِ المتأوبِ
حبيبٌ إلى الأصحابِ غير ملعَّنٍ ... يفدونهُ بالأمهاتِ وبالأبِ
توبة بن الحمير
وقال توبة بن الحمير بن حزن بن خفاجة بن عمرو بن عُقيل بن كعب بن ربيعة بن عامر بن صعصعة بن معاوية بن بكر بن هوازن بن منصور: الطويل
نأَتكَ بليْلَى دارُها لا تزورهَا ... وشطتْ نواهَا واستمرَّ مريرُها
1 / 14