123
رحلت هوادجهنَّ كلُّ ربحلةٍ ... قامت تهاونُ خلقها الممكورا
صمتُ الخلاخل في رواءِ خدلةٍ ... بيضٍ تقلُّ روادفًا وخصورا
سلمنَ قبلَ وداعهنَّ لغربةٍ ... ورعى الهوى بقرًا أوانسَ حورا
دارَ الجميع بروضةِ الخيلِ اسلمي ... وسقيتِ مرتجزَ العشيِّ مطيرا
ولقد أرى بك حاضرًا ذا غبطةٍ ... إذ لا أخافُ على الشقاقِ أميرا
يا أمَّ نجدةَ لو رأيتِ مطينا ... بعدَ الكرى ومناخهنَّ هجيرا
لرأيتِ جائلةَ الغروضِ وفتيةً ... وقعت كلاكلها بهم تغويرا
من كلِّ يعملةِ النجاءِ شملةٍ ... قوداءَ يملأ نحرها التصديرا
ترمي النجادَ بمقلتي متوجسٍ ... لهقٍ تروحَ ناشطًا مذعورا
أمسى بمحنيةٍ يحكُّ بروقهِ ... حقفًا يهيلُ ترابهُ المحدورا
من صوبِ ساريةٍ كأنَّ بمتنهِ ... منها الجمانُ ولؤلؤًا منشورا
طالت عليهِ وباتَ من نفحِ الصبا ... وجلًا يوقرُ جأشهُ توفيرا
حتى غدا حبقًا وحققَ ذعرهُ ... عاري الأشاجع ما يزالُ ضريرا
يشلي قوانصَ من كلابِ محاربٍ ... طلسًا يجلنَ إذا سمعنَ صفيرا
حاذرنَ شدةَ محصفٍ ذي شرةٍ ... حاضرنهُ فوجدنهُ محضيرا
حتى ارعوى لحميةٍ لحقتِ بهِ ... والكبرياءُ يشيعُ المكثورا
ينهسنَ كاذتهُ ويمنعُ لحمهُ ... طعنٌ يصيبُ فرائصًا ونحورا
قالت حبابةُ ما لجسمكَ ناحلًا ... وكساكَ منزلةِ الشبابِ قتيرا
والجفنُ ينحلُ ثمَّ يوجدُ نصلهُ ... عندَ الضريبةِ صارمًا مأثورا
هلاَّ سألتِ إذا اللقاحُ تروحت ... هدجًا وراحَ قريعها مقرورا
ألاَّ أحفَّ على الدخانِ ولا أرى ... سبلَ السماحةِ يا حبابَ وعورا
إني لأبذلُ للبخيلِ إذا اعترى ... مالي وأتركُ مالهُ موفورا
وإذا طلبتُ ثوابَ ما آتيتهُ ... فكفى بذاكَ لسائلي تذكيرا
فذرا عتابي كلما صبحتما ... عذالتي لتقصدا وتجورا
وإذا رشادُ الأمرِ صارَ إليكما ... فتربصا بي أن أقولَ أشيرا
وقال أيضًا:
بانَ الخليطُ بحبلِ الودِّ فانطلقوا ... وزيلَ البينُ من تهوى ومن تمقُ
ليتَ المقيمُ مكانَ الظاعنين وقد ... تدنو الظنونَ وينأى من بهِ تثقُ
وما استحالوا عن الدارِ التي تركوا ... عني كأنَّ فؤادي طائرٌ علقُ
وفي الخدورِ مهًا لما رأينَ لنا ... نحوًا سوى نحوهنَّ أغرورقَ الحدقُ
أريننا أعينًا نجلًا مدامعها ... دافعنَ كلَّ دوى أمسى بهِ رمقُ
بموطنٍ يتقى بعضَ الكلامِ بهِ ... وبعضهُ من غشاشِ البينِ مسترقُ
ثم استمروا يشقونَ السرابَ ضحى ... كأنهم نخلُ شطي دجلةَ السحقُ
فما رأيتُ كما تفري الحداةُ بهم ... ولا كنظرةِ عينٍ جفنها غرقُ
إذا أقولُ لهم قد حانَ منزلهم ... وضرجَ البزلَ من أعطافها العرقُ
حثوا نجائبَ تلوي من خزايمها ... جذبَ الأزمةِ في أزرارها الحلقُ
من كلِّ أشحجَ نهاضٍ تخالُ بهِ ... جنًا يخالطهُ من سومهِ عنقُ
يغتالُ نسعي وضينِ الخدرِ محزمه ... مساندٌ شدَّ منهُ الدايُ والطبقُ
رحبُ الفروجِ إذا ما رجلهُ لحقت ... سيرًا بمائرةٍ في عضدها دفقُ
حتى إذا صحرت شمسُ النهارِ وقد ... أفضى الجبيلُ وزالَ الحزمُ والنسقُ
تورعوا بعدما طال الحزيزُ بهم ... وكادَ ضاحي ملاءِ القزِّ يحترقُ
وفيهم صورٌ ما بذها أحدٌ ... منَ الملوكِ وما تجري بهِ السوقُ
من كلِّ ميالةٍ خرسٍ خلاخلها ... لأيًا تقومُ وبعدَ اللأي تنتطقُ
تسقي البشامَ ندىً يجري على بردٍ ... ما في مراكزهِ جذُّ ولا ورقُ
غرثى لوشاحِ صموتِ الحجل ما انصرفت ... إلاَّ تضوعَ منها العنبرُ العبقُ
كالشمسِ يوم سعودٍ أو مرشحةٍ ... بالأسحمينِ دعاها توأمٌ خرقُ
حيِّ الديارَ التي كانت مساكننا ... قفرًا بها لرياحِ الصيفِ مخترقُ
وكلُّ مهتزمٍ راحَ الشمالُ بهِ ... تكشفَ الخيلِ في أقرابها بلقُ
فاستقبلتهُ الصبا تهدي أوائلهُ ... فاستكرهَ السهلَ منهُ وابلٌ بعقُ

1 / 123