وقال الحماني:
قالتْ: عُييت عن الشكوى. فَقلتُ لها ... جَهدُ الشكايةِ أنْ أعيا عَنْ الكَلمِ
أشكو إلى الله قلبًا لو كحلت به ... عينيك لاختضبت من حرّه بدم
فهذا أبلغ من قول أبي الطيب ويشبه قول أبي الطيب قول البحتري:
هَلْ غايةُ الشّوقِ المبّرح غَيْر أنْ ... يَعْلو نشيجٌ أو تَفيض مَدَامِعُ
وصاحب العين المسهدة، والقلب الخافق وصاحب النشيج والدمع الفائض يمكنهما شكاية حالهما ويقدران على الكلام ومن عجز عن الكلام أتم سوء حال منهما، فكلام أبي الطيب والبحتري يدخل في باب المساواة وكلام الثالث أرجح من كلامهما.
وقال المتنبي:
ما لاحَ برقُ أو ترنَّمَ طائِرٌ ... إلاّ انْثَنيتُ ولي فُؤاد شَيِّقُ
هذا معنى متدارك لا يعبأ به ولكن أبا الطيب لتناوله ما سخف من المعاني وارتفع يلزمنا الشغل بما أشتغل به وهو من قول ابن أبي عيينه:
ما تَغَنّى القُمريّ إِلاَّ شَجانِي ... وغِناءُ القُمريّ للصبّ شاجِي