منقذ
المنقذ: قراءة لقلب أفلاطون (مع النص الكامل للرسالة السابعة)
اصناف
كل هذا ممكن، وسوف تبقى فلسفة أفلاطون حقلا لا نهائيا يتسع لجهود الحارثين والزارعين المخلصين، وميدانا غير محدود يتنافس فيه الفرسان البارعون.
وسوف تبقى كذلك ملاذا للحالمين - من أمثالي! - بالتغيير، وللعاملين على تجاوز واقعهم، الذين نخرت فيه جيوش سوس الفساد، إلى واقع أفضل وأكثر عدلا وحرية وشرفا وجمالا. فالحس اليوتوبي في هذه الفلسفة يستحيل إنكاره، وشمولية دولته المثالية غير مسئولة عن النظم الشمولية البشعة التي قاسى منها البشر في القرن العشرين أو ما زالوا يقاسون. وقد كان هذا الحلم بالتغيير والعدالة وسيادة القانون والديمقراطية، هو الذي استبد بي وألهب خيالي وقلبي وعقلي أثناء العمل في هذا الكتاب وفي زميله الذي تزامن معه وهو «لم الفلسفة؟»،
7
وإذا كنت قد عشت مع أفلاطون حتى كادت عباءته المهيبة أن تخفيني وأوشك ظله أن يطمس وجودي، فقد التهبت حماسا لفكرته اليوتوبية عن التغيير والإنقاذ، دون أن تغفل عين الوعي لحظة واحدة عن أخطائه وعيوبه (راجع الفصل الأخير عن خاتمة الرحلة وبدايتها)، وإذا استطاع الكتاب أن يثير في وجدانك بعض الموجات التي أثارت كياني أثناء تأليفه، فسوف أكون قد أخذت أكثر مما يتوقعه أي مؤلف جزاء على حبه وتعبه وتفانيه ...
د. عبد الغفار مكاوي
المنقذ غادر بيته
أجمع أمره، صمم أن يتحدى قدره، أن يأخذ معه سره، الرحلة كانت خطرة، والمحنة مرة ، ما ضر إذا أخفق مرة؟ فليعد الكرة، وليحمل للعالم فكرة؛ فالفكرة إن كانت حرة، فستصبح فعلا أو ثورة، تنقذه وتحطم نيره.
الرسالة السابعة: سيرة فشل مر، وثيقة اعتراف ودفاع وتبرير. طالما أثير الشك حولها، واليوم ينعقد إجماع العلماء أو يكاد على صحة نسبتها لأفلاطون. لعلها هي الوحيدة من بين رسائله الثلاث عشرة التي نجت من الشك، وربما شاركتها الرسالتان الثالثة والثامنة. فيها نقرأ قلبه، نعرف همه؛ فلقد وقف القلب وراء الفكر، طول العمر، يشعل فيه نار العدل ويلهمه الحكمة والشعر.
الأصل والطبع والرغبة في «إنقاذ» مدينته توجه خطاه على درب السياسة؛ ففي طفولته وشبابه شاهد مواطنيه يمزقون لحمهم بأيديهم، في أقسى حرب عرفتها بلده «حرب البيلوبينيز بين أثينا وإسبرطة، استمرت من 431 إلى 404ق.م»، ورأى الكارثة بعينيه، ونظام أثينا، حريتها وحضارتها، تنهار أمامه: «كنت لا أزال في ريعان الشباب عندما حدث لي ما يحدث للكثيرين، فقد تطلعت للإلقاء بنفسي في أحضان السياسة بمجرد بلوغي سن الرشد.»
كانت صورة الأحوال السياسية مضطربة عجيبة؛ فالناس في مسقط رأسه ناقمون على النظام الخائن الذي تسبب في الكارثة وجلب عليهم الهزيمة. وتمت ثورة نقلت زمام السلطة المطلقة إلى حكومة الثلاثين. كان بعض هؤلاء من أقاربه؛ «فرئيسهم - كريتياس - هو عم أمه، وأحد زعمائهم - خارميدس - هو خاله»، وعلى الرغم من إعجابه بهما، فقد سمى محاورتين من محاوراته باسمهما، لم يملك نفسه من السخط على حكمهما. لقد توقع أن ينقلوا المدينة من الظلم إلى العدل، ويستبدلوا بالإدارة الفاسدة إدارة رشيدة. غير أنه سرعان ما اكتشف أنهم استطاعوا، في أقصر وقت ممكن، أن يجعلوا الحكم السابق يبدو - بالقياس إلى حكمهم - أشبه بالجنة أو بالعصر الذهبي. ساد الظلم وغلب الشر، واشتد العسف وكتم الصدر. وابتعد بنفسه، فلقد خاب الأمل وفر.
نامعلوم صفحہ