منادلوجیا
المونادولوجيا والمبادئ العقلية للطبيعة والفضل الإلهي
اصناف
يحتل ليبنتز مكانة مرموقة في كل كتاب عن تاريخ الفلسفة. وليس هناك من يشك في قيمته الفلسفية، أو يتردد في وضعه بين كبار الفلاسفة، ومع ذلك فلعله لم يكن ليوافق على هذا، أو لم يكن ليكتفي به! فجهوده لم تقتصر على الفلسفة، بل امتدت إلى ميادين السياسة والتاريخ والقانون واللغة والاجتماع والاقتصاد واللاهوت والعلم الطبيعي والرياضي، كان سياسيا بالمعنى الشامل لهذه الكلمة، وشغلته مشروعاته الضخمة في هذا المجال طوال حياته، وشارك في معظم ميادين العلم النظرية والتطبيقية، كما جعلته كشوفه الرياضية (وبالأخص اكتشافه لحساب اللامتناهي في الصغر أو التفاضل والتكامل) من أعظم العلماء الرياضيين في كل العصور. أضف إلى هذا أنه طور الآلة الحاسبة التي طوعها «باسكال» للجمع والطرح، فأصبحت قادرة على الضرب والقسمة واستخلاص الجذور مما أتاح له شرف الانضمام إلى عضوية الجمعية الملكية الإنجليزية. ولم يقف نشاط ليبنتز في مجال العلوم عند هذا الحد، فقد شغل بمسائل التعدين والمناجم ومشكلاتها الفنية؛ مما أدى إلى اكتشافات هامة في الجيولوجيا واستغلال الطاقة. أما أعماله التاريخية فكان من أهمها الجزء الأول من تاريخ أسرة جويلف،
1
الذي لم يتمكن من إتمامه.
وإذا كان قد شاع بين الناس أن التأمل الفلسفي يجني بالضرورة على حظ الإنسان من النجاح في الحياة العملية، فإن ليبنتز يعد دليلا حيا على خطأ هذا الظن، وليس معنى هذا أن حياته خلت من الهموم والآلام، أو نجت من الوقيعة والدس. فقد لقي في أواخر حياته ما لقي من الجحود والنكران، ومات وحيدا كالمونادة الوحيدة، ولكنه نال على كل حال ما لم ينله غيره من المكانة والحظوة في أوساط العلم والسياسة والبلاط. ثم ظل بعد موته منسيا أو شبه منسي، حتى قدر لأغلب إنتاجه أن ينشر، وسطع مجده منذ أوائل هذا القرن، وعكف الباحثون على درسه، وإلقاء الأضواء على شخصيته الموسوعية الرائدة.
ولد ليبنتز في مدينة ليبزج في الواحد والعشرين من شهر يونيو سنة 1646م، قبل نهاية حرب الثلاثين التي أنهكت أوروبا، ودمرت ألمانيا بسنتين. وكان أبوه محاميا وموثقا وأستاذا جامعيا. وظهر نبوغه المبكر في طفولته وسنواته الأولى في المدرسة، فلم يكد يتم الثامنة من عمره، حتى علم نفسه اللغة اللاتينية بدون معلم ولا كتاب! وأتاحت له مكتبة أبيه الضخمة أن يقوم بسياحات واسعة في أرض المعرفة، فتمكن من الإلمام باللغات القديمة إلماما طيبا، واتجه إلى قراءة مؤلفات الشعراء والمؤرخين والكتاب القدامى وآباء الكنيسة والفلاسفة المدرسيين، وعرف أسماء وأعمال ششرون وسينيكا وكوينتليان، وهيرودوت وإكزينوفون وبلينيوس وأفلاطون. يقول عن هذه الفترة من حياته إنه لم يفهم منهم في البداية شيئا، ولكنه استطاع بالتدريج أن يعرف بعض الشيء، ثم انتهى إلى معرفة ما يكفيه. ولما بلغ الخامسة عشرة من عمره التحق بالجامعة العريقة في موطن رأسه، وتركها بعد ذلك بفترة قصيرة للدراسة في جامعتي «يينا» و«ألتدورف» في «بافاريا». وقد عكف في البداية على التفقه في القانون، ولكن شغفه بالمعرفة الشاملة لم يلبث أن غلب عليه، فاتجه إلى الفلسفة والرياضة والفيزياء، واطلع على أعمال بيكون وديكارت وجاسندي وجاليليو. ويبدو أنه جرب الكتابة في هذه السن المبكرة، إذ لم يكد يتم السادسة عشرة من عمره، حتى كان قد نشر أول بحوثه الفلسفية باللاتينية، وهو شرح ميتافيزيقي لمبدأ التفرد،
2
مما يدل على اهتمامه بهذا المبدأ الذي سيطبع كل تفكيره وفلسفته.
تلقى ليبنتز الفلسفة في جامعة ليبزج على ياكوب تومازيوس،
3 (1632-1685م) وكان من أكبر العارفين بالفلسفة اليونانية والمدرسية، والناقدين لها والمتنبئين بنهايتها على السواء.
أما في «يينا» فقد تتلمذ على العالم الرياضي إرهارد فايجل،
نامعلوم صفحہ