قاضي غرناطة أبا جعفر، وانضم إليهما ابن أدهم وانضم إلى هؤلاء جميعا الوزير أبو بكر بن زيدون.
وأبحر هؤلاء جميعا إلى بر العدوة، وذهبوا لمفاوضة يوسف ودعوته على لسان ملوكهم للعبور إلى إسبانيا على رأس جيش، وكان عليهم أن يعرضوا عليه شروطا، ويقطعوا عليه بذلك عهدا، إلا أن ذلك بقي عندنا مجهولا، كما كان واجبا أن يعين المكان الذي سينزل فيه يوسف من البحر، فاقترح أبو بكر أن يكون المكان الذي ينزل فيه بعسكره جبل طارق، وآثر يوسف أن يكون نزوله في الجزيرة الخضراء بعد أن يتخلى له عنها، ولم يرق في نظر وزير المعتمد هذا الطلب، الذي لم يكن مخولا إليه حق الاتفاق عليه، وعلى أثر ذلك كان يوسف يعامل أولئك السفراء بفتور، فكان يراوغهم ويجيبهم أجوبة مبهمة، ولذلك عادوا إلى بلادهم وهم يجهلون تحديد المسائل التي وقع عليها الاتفاق واستقر عليها الرأي، فهو لم يقطع عهدا بالاتفاق على دخول إسبانيا، كما أنه لم يصرح بعدم الدخول.
وكذلك صار ملوك الأندلس يشكون في نواياه، ويرتابون في مقاصده، وقد خرجوا من هذا المشكل بحالة تستنكرها دولهم، وتستنكفها رعاياهم، على أن ارتيابهم في الأمر كان قائما على أساس.
5
وكان من عادة يوسف ألا يقدم على عمل إلا بعد مشورة الفقهاء ورجال الدين، فاستشارهم فيما يجب عمله، فأشاروا عليه أن يبدأ أولا بقتال القشتاليين، وإن كان يعوزه في هذا السبيل أن يخلوا له الجزيرة الخضراء، وإن أبوا أن يخلوها له كان له الحق في أخذها، ولما تزود للأمر بهذه الفتوى أمر عدة من جيوشه بالإبحار من مدينة سبتة على بعض السفن، والعبور إلى الجزيرة وأن تكون مكتنفة بجيش كثيف من جنوده، ورسم أن تقدم المؤن وما يحتاج إليه الجيش من نفس المدينة، وكان الراضي حاكما على الجزيرة، فوقع في حيرة وارتباك لا قبل له باحتمالها، لأن الحالة التي تواجهه الآن لم يكن يتوقعها، ولم يمتنع من تقديم ما يحتاجه جيش المرابطين من المؤن، ولكنه كان على استعداد لدفاع القوة بالقوة متى دعت الحال لذلك.
وعدا ذلك فقد كتب إلى والده رسالة ربطها في جناح حمامة، وأطلقها صوب إشبيلية وتربص ريثما يتلقى منه الأوامر، فورد إليه جواب أبيه على جناح السرعة، وقد بت في الأمر بلا تردد ولا إمهال، ورأى أنه مهما يكن مسلك يوسف جافا ومثيرا، فإنه يشعر بأنه قد أمعن في المضي، حتى لا يستطيع أن ينكص على عقبيه، ولم يبق إلا أن تقابل هذه اللعبة السيئة الجريئة بمظاهر الارتياح والاطمئنان، وما هو إلا أن أصدر في الحال أمره إلى ولده بإخلاء الجزيرة والانسحاب إلى رندة.
وتلاحقت الجنود بالجزيرة، ووصلها يوسف نفسه أخيرا، فعني أولا بتحصين المدينة حتى صارت في حالة حسنة، وزودها بالمؤن والذخائر، وترك فيها حامية كافية، ثم سار في معظم جيوشه إلى إشبيلية وجاء المعتمد لاستقباله تحف به أعاظم رجال مملكته ، ولما تلاقيا، هم المعتمد أن يقبل يده فأبى وتعانقا عناقا تجلت فيه كل عواطف الإخلاص والحب والسرور، بلقاء العدو المشترك، ولم يغفل المعتمد العادات الملكية المتبعة في مثل هذه الظروف من تقديم هدايا فاخرة تليق بمقام ضيفه الكريم ورجال دولته، وقد تقبلها شاكرا مغتبطا، ووزعها على جنوده المرابطين، ولم يخامره شك على أثر ما قدم إليه من سني الهدايا أن إسبانيا في الذروة، من تزايد الغنى، ووفور الثروة.
فوقف الملكان على مقربة من إشبيلية وقد وافاهما هناك ابنا باديس عبد الملك ملك غرناطة وتميم ملك مالقة وانضما إلى المرابطين، وكان مع الأول ثلاث مئة فارس، ومع ثانيهما مئتان، وأرسل المعتصم ملك المرية كتيبة من الفرسان، واعتذر عن مجيئه بنفسه لمجاورة نصارى البدو له، وبعد مضي ثمانية أيام زحف الجيش عن طريق بطليوس حيث التقى بالمتوكل وجيوشه، ثم زحفوا إلى طليطلة ولم يتقدموا قليلا إلا وقد فاجأهم العدو.
وكان الأذفونش لا يزال محاصرا سرقسطة في ذلك الوقت الذي علم فيه بدخول المرابطين إسبانيا وقد خيل إليه أن ملك هذه المدينة المحاصرة يجهل حادث دخول المرابطين إلى هذه البلاد، فبعث إليه يطلب منه أموالا كثيرة ليرفع عنه الحصار، ولكن المستعين كان قد وقف على هذا النبأ العظيم مثله، فلم يعطه درهما واحدا.
ثم عاد الأذفونش إلى طليطلة بعد أن أرسل إلى إيڤارو وإلى مساعديه الآخرين أن يجيئوا بجيوشهم لينضموا إلى جيشه، ولما تجمعت وحدات الجيش الذي كان به كثير من الفرسان الفرنسيين زحف، إذ كان يريد أن تدور رحى القتال في بلاد العدو، والتقى بالمرابطين وحلفائهم في مكان لا يبعد عن بطليوس واقع بالقرب من مكان يعرف عند المسلمين «بالزلاقة» وعند المسيحيين باسم «سكر الياس».
نامعلوم صفحہ