ولا تنس أنهم كانوا مضطرين إلى دفع ضرائب فادحة للإمبراطور الروماني، فلما جاء الإسلام أعفاهم منها، ولم يفرض عليهم إلا جزية معتدلة لا ترهق أحدا، ومتى عرفت هذه الأسباب زالت دهشتك وعجبك من إيثارهم حكم المسلمين على حكم الرومان واندفاعهم إلى مساعدة العرب في فتوحاتهم بكل قلوبهم بدلا من مناوأتهم والتألب عليهم.
أسباب انتشار الإسلام
وإذا كان ذلك كذلك، فما بالهم لم يبقوا على دينهم؟ وأي شيء حفزهم إلى الدخول في هذا الدين الجديد من غير أن يكرهوا على الدخول فيه، وهم يعلمون أن إسلامهم لا يرتاح إليه ملوكهم؟
لقد تضافرت أسباب عدة على الوصول إلى هذه النتيجة، وقد ألمعنا - آنفا - إلى ما يعود عليهم من الفائدة المادية إذا أسلموا؛ لأن إعفاءهم من الجزية - على اعتدالها - كان مما يرغبهم في الإسلام.
أضف إلى هذا ما يشعرون به من الكرامة الشخصية إذا أسلموا وأصبح لهم من الحقوق ما للمسلمين.
نعم كان المسلمون متسامحين، ولكنهم لم يزيدوا على ذلك شيئا، فقد كانوا - على تسامحهم - لا يضعون المسيحي والمسلم في صف واحد، بل ينظرون إلى النصراني كما ينظرون إلى جنس منحط.
وقد سن عمر لهم قانونا يحوي إذلالهم ومهانتهم بين طياته، فلم يسمح لهم بإنشاء الكنائس والمعابد، بل حرمهم حتى بناء الأديرة الصغيرة.
ولم يقف الأمر عند هذا الحد، بل تعداه - بعد قليل - إلى ما هو شر منه، فقد حظر عليهم تجديد بناء الكنائس التي تهدم - وإن لم يتمسك المسلمون بتنفيذ هذا الشرط دائما - وقد أباح القانون للمسلمين أن يدخلوا الكنائس في أي وقت شاءوا ليلا أو نهارا، وحتم على المسيحيين أن يفتحوا أبوابها للمسافرين من المسلمين ليل نهار، وشرط عليهم أن يقدموا الطعام لضيوفهم ثلاث مرات في كل يوم، وحظر عليهم أن يرفعوا الصلبان على كنائسهم، وأن يبيعوا الكتب المقدسة في شوارع المسلمين، كما حظر عليهم إقامة الصلاة وترتيل الأناشيد الدينية في الكنائس بصوت مرتفع إذا كانت قريبة من بيوت المسلمين، وأمرهم أن يشيعوا موتاهم إلى قبورهم في صمت وسكون، وألا يوقدوا شموعا أمامهم متى وصلوا إلى الأحياء الإسلامية.
كما حرم عليهم التعصب لدينهم والتعرض بأي سوء لمن يتحول عنه إلى الإسلام، وفرض عليهم احترام المسلمين في كل فرصة أو مناسبة، فإذا جلس المسلم وجب على المسيحي أن يقوم .
وشرط عليهم أن يحتفظوا بأزيائهم ولا يتزيوا بزي المسلمين ليتميزوا للناظر عنهم، ولم يعف مسيحيا من شد الزنار إلى وسطه ، وحرم عليهم أن يتحدثوا بالعربية أو ينقشوها على أختامهم.
نامعلوم صفحہ