مختصر التحفة الاثني عشرية
مختصر التحفة الاثني عشرية
تحقیق کنندہ
محب الدين الخطيب
ناشر
المطبعة السلفية
پبلشر کا مقام
القاهرة
اصناف
عقائد و مذاہب
في نفسها - مع قطع النظر عن الشرع - فيها جهة حسن أو قبح تقتضي مدح فاعله وثوابه أو ذمه وعقابه، لكن تلك الجهة قد تدرك بالضرورة كحسن الصدق النافع وقبح الكذب الضار، وقد تدرك بالنظر كحسن الصدق الضار وقبح الكذب النافع مثلا، وقد لا يدركها العقل بنفسه - لا بالضرورة - بالنظر إلا إذا ورد الشرع به، فإذن يعلم أن فيها جهة محسنة أو مقبحة كما في صوم اليوم الآخر من رمضان وصوم يوم العيد، فإدراك الحسن والقبح في هذا القسم موقوف على كشف الشرع عنهما بالأمر والنهي، وأما انكشافهما بالقسمين الأولين فهو محض حكم العقل بدون توقفه على الشرع. ثم اختلفوا بينهم فقال المتقدمون منهم: إن حسن الأفعال وقبحها لذواتها فقط، وقال بعض المتأخرين منهم: إنما لصفة زائدة على الذات دونها، وبعضهم قالوا: إن جهة القبح في القبيح مقتضية لقبحه دون الحسن، إذ لا حاجة إلى صفة توجب الحسن بل يكفيه انتفاء صفة موجبة للقبح، وقال الجبائي وأتباعه: ليس حسن الأفعال وقبحها لذواتها ولا لصفات حقيقية بل لاعتبارات وأوصاف إضافية تختلف بحسب الاعتبار كما في لطم اليتيم للتأديب أو الظلم. وقال بعض أتباع المعتزلة إنهما للمطلق الأعم، واستدلوا على ذلك بوجوه:
(الأول) أن حسن مثل العدل والإحسان وقبح مثل الظلم والكفران مما اتفق عليه العقلاء حتى الكفار كالبراهمة والدهرية وغيرهما حتى أنهم يستقبحون ذبح الحيوانات بأنه إيلام، فلولا أنه ذاتي للفعل بحيث يعلم بالعقل لما كان كذلك. (١) وأجيب عنه بأن هذا غير متنازع فيه، لأنه من قسم الحسن والقبح اللذين هما بمعنى ملائمة الطبع ومنافرته وهو ليس بمتنازع فيه، والمتنازع فيه هو بمعنى تعلق الثواب والمدح والعقاب والذم وهو غير لازم من الدليل، فالتقريب غير تام.
(الثاني) أن من تساوى في تحصيل غرضه الصدق والكذب بحيث لا مرجح بينهما ولا علم باستقرار الشرع على تحسين الصدق وتقبيح الكذب فإنه يؤثر الصدق قطعا بلا تردد وتوقف، فلولا أن حسنه مركوز في عقله لما اختاره كذلك. وكذا إنقاذ من أشرف على الهلاك حيث لا يتصور للمنقذ نفع ولا غرض ولو مدحا وثناء كالمجنون والصبي وليس ثمة من يراه.
_________
(١) قال ابن حزم: «القول الصحيح هو أن العقل الصحيح يعرف بصحته ضرورة أن الله تعالى حاكم على كل ما دونه وأنه تعالى غير محكوم عليه وأن كل ما سواه تعالى فمخلوق له ﷿». الفصل: ٣/ ٦٠.
1 / 74