133

Mukhtasar Tafsir Al-Baghawi, also known as Ma'alim at-Tanzil

مختصر تفسير البغوي المسمى بمعالم التنزيل

ناشر

دار السلام للنشر والتوزيع

ایڈیشن نمبر

الأولى

اشاعت کا سال

١٤١٦هـ

پبلشر کا مقام

الرياض

اصناف

﴿جَمِيعًا﴾ [آل عمران: ١٠٣] الْحَبْلُ: السَّبَبُ الَّذِي يُتَوَصَّلُ بِهِ إِلَى الْبُغْيَةِ، وَسُمِّيَ الْإِيمَانُ حَبْلًا لِأَنَّهُ سَبَبٌ يُتَوَصَّلُ بِهِ إِلَى زَوَالِ الْخَوْفِ، وَاخْتَلَفُوا فِي مَعْنَاهُ ههنا، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: مَعْنَاهُ تَمَسَّكُوا بِدِينِ اللَّهِ، وَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: هُوَ الْجَمَاعَةُ، وَقَالَ: عَلَيْكُمْ بِالْجَمَاعَةِ فَإِنَّهَا حَبْلُ اللَّهِ الَّذِي أَمَرَ بِهِ، وَإِنَّ مَا تَكْرَهُونَ فِي الْجَمَاعَةِ وَالطَّاعَةِ خَيْرٌ مِمَّا تُحِبُّونَ فِي الْفُرْقَةِ. وَقَالَ مُجَاهِدٌ وَعَطَاءٌ: بِعَهْدِ اللَّهِ، وَقَالَ قَتَادَةُ وَالسُّدِّيُّ: هو القرآن، وَقَالَ مُقَاتِلُ بْنُ حَيَّانَ: بِحَبْلِ اللَّهِ أَيْ: بِأَمْرِ اللَّهِ وَطَاعَتِهِ، ﴿وَلَا تَفَرَّقُوا﴾ [آل عمران: ١٠٣] كما افترقت اليهود والنصارى، ﴿وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ﴾ [آل عمران: ١٠٣] جمع اللَّهُ أَهْلَ الْمَدِينَةِ أَوْسَهَا وَخَزْرَجَهَا بِالْإِسْلَامِ وَأَصْلَحَ ذَاتَ بَيْنِهِمْ بِنَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ ﷺ، (وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ) يَا مَعْشَرَ الْأَنْصَارِ (إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً) قَبْلَ الْإِسْلَامِ (فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ) بالإسلام، ﴿فَأَصْبَحْتُمْ﴾ [آل عمران: ١٠٣] أي: فصرتم، ﴿بِنِعْمَتِهِ﴾ [آل عمران: ١٠٣] برحمته وبدينه الإسلام، ﴿إِخْوَانًا﴾ [آل عمران: ١٠٣] فِي الدِّينِ وَالْوِلَايَةِ بَيْنَكُمْ. ﴿وَكُنْتُمْ﴾ [آل عمران: ١٠٣] يَا مَعْشَرَ الْأَوْسِ وَالْخَزْرَجِ ﴿عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ﴾ [آل عمران: ١٠٣] أَيْ عَلَى طَرَفِ حُفْرَةٍ مِثْلِ شفا البئر، معناه: وكنتم عَلَى طَرَفِ حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ لَيْسَ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ الْوُقُوعِ فِيهَا إِلَّا أَنْ تَمُوتُوا عَلَى كُفْرِكُمْ، ﴿فَأَنْقَذَكُمْ﴾ [آل عمران: ١٠٣] الله ﴿مِنْهَا﴾ [آل عمران: ١٠٣] بِالْإِيمَانِ، ﴿كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ﴾ [آل عمران: ١٠٣]
[١٠٤] ﴿وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ﴾ [آل عمران: ١٠٤] أي: ولتكونوا أُمَّةً، (مِنْ) صِلَةٌ لَيْسَتْ لِلتَّبْعِيضِ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثَانِ﴾ [الْحَجِّ: ٣٠] لَمْ يُرِدِ اجْتِنَابَ بَعْضِ الْأَوْثَانِ بَلْ أَرَادَ فَاجْتَنِبُوا الْأَوْثَانَ، وَاللَّامُ فِي قَوْلِهِ وَلْتَكُنْ لَامُ الْأَمْرِ، ﴿يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ﴾ [آل عمران: ١٠٤] إِلَى الْإِسْلَامِ، ﴿وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾ [آل عمران: ١٠٤]
[١٠٥] ﴿وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ﴾ [آل عمران: ١٠٥] قَالَ أَكْثَرُ الْمُفَسِّرِينَ: هُمُ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى، وَقَالَ بَعْضُهُمُ: الْمُبْتَدِعَةُ مِنْ هذه الأمة.
[١٠٦] ﴿يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ﴾ [آل عمران: ١٠٦] (يَوْمَ) نُصِبَ عَلَى الظَّرْفِ، أَيْ: فِي يَوْمِ، وَانْتِصَابُ الظَّرْفِ عَلَى التَّشْبِيهِ بِالْمَفْعُولِ، يُرِيدُ: تَبْيَضُّ وُجُوهُ الْمُؤْمِنِينَ وَتَسْوَدُّ وُجُوهُ الْكَافِرِينَ، وَقِيلَ: تَبْيَضُّ وُجُوهُ الْمُخْلِصِينَ وَتَسْوَدُّ وُجُوهُ المنافقين، وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ﵄ أنه قَالَ: تَبْيَضُّ وُجُوهُ أَهْلِ السُّنَّةِ وتسود وجوه أهل البدعة، ﴿فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أَكَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ﴾ [آل عمران: ١٠٦] مَعْنَاهُ: يُقَالُ لَهُمْ أَكَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ، ﴿فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ﴾ [آل عمران: ١٠٦] فَإِنْ قِيلَ كَيْفَ قَالَ أَكَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ، وَهُمْ لَمْ يَكُونُوا مؤمنين؟ قيل: أَرَادَ بِهِ الْإِيمَانَ يَوْمِ الْمِيثَاقِ، حيز قال لهم ربهم: ألست بربكم؟ قالوا: بلى. وَقَالَ الْحَسَنُ: هُمُ الْمُنَافِقُونَ تَكَلَّمُوا بالإيمان بألسنتهم، وأنكروا بقلوبهم، وقال عِكْرِمَةَ: أَنَّهُمْ أَهْلُ الْكِتَابِ آمَنُوا بِأَنْبِيَائِهِمْ وَبِمُحَمَّدٍ ﷺ قَبْلَ أَنْ يُبْعَثَ، فَلَمَّا بُعِثَ كَفَرُوا بِهِ، وَقَالَ قَوْمٌ: هُمْ مِنْ أَهْلِ قِبْلَتِنَا، وَقَالَ أَبُو أُمَامَةَ: هُمُ الْخَوَارِجُ، وَقَالَ قتادة: هم أهل البدع.
[١٠٧] قَوْلُهُ تَعَالَى ﴿وَأَمَّا الَّذِينَ ابْيَضَّتْ وُجُوهُهُمْ﴾ [آل عمران: ١٠٧] هَؤُلَاءِ أَهْلُ الطَّاعَةِ، ﴿فَفِي رَحْمَةِ اللَّهِ﴾ [آل عمران: ١٠٧] ففي جَنَّةِ اللَّهِ. ﴿هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ﴾ [آل عمران: ١٠٧]
[١٠٨] ﴿تِلْكَ آيَاتُ اللَّهِ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِالْحَقِّ وَمَا اللَّهُ يُرِيدُ ظُلْمًا لِلْعَالَمِينَ﴾ [آل عمران: ١٠٨]
[١٠٩] ﴿وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ﴾ [آل عمران: ١٠٩]
[قَوْلِهِ تَعَالَى كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ . . .]
[١١٠] ﴿كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ﴾ [آل عمران: ١١٠] قَالَ عِكْرِمَةُ وَمُقَاتِلٌ: نَزَلَتْ فِي ابْنِ مَسْعُودٍ وَأُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ وَمُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ وَسَالِمٍ مَوْلَى أَبِي حُذَيْفَةَ، ﵃، وَذَلِكَ أَنَّ مَالِكَ بْنَ الصَّيْفِ ووهب بن يهود الْيَهُودِيَّيْنِ قَالَا لَهُمْ: نَحْنُ أَفْضَلُ مِنْكُمْ وَدِينُنَا خَيْرٌ مِمَّا تَدْعُونَنَا إِلَيْهِ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى هَذِهِ الْآيَةَ، وَرَوَى

1 / 141