مختصر الصواعق المرسلة على الجهمية والمعطلة
مختصر الصواعق المرسلة على الجهمية والمعطلة
تحقیق کنندہ
سيد إبراهيم
ناشر
دار الحديث
ایڈیشن نمبر
الأولى
اشاعت کا سال
١٤٢٢ هـ - ٢٠٠١ م
پبلشر کا مقام
القاهرة - مصر
اصناف
التَّأْوِيلَ لَمْ يَخْطُرْ بِقَلْبِ آدَمَ وَحَوَّاءَ أَلْبَتَّةَ، وَهُمَا كَانَا أَعْلَمَ بِاللَّهِ مِنْ ذَلِكَ وَأَصَحَّ أَفْهَامًا، أَفَتَرَى فَهِمَ أَحَدٌ مِنْ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: ﴿وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا﴾ [الإسراء: ٣٢] ﴿وَلَا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ﴾ [الأنعام: ١٥٢] وَنَظَائِرِهِ، أَيْ إِنَّمَا نَهَيْتُكُمْ عَنِ اجْتِمَاعِكُمْ عَلَى ذَلِكَ دُونَ انْفِرَادِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْكُمْ بِهِ؟ فَيَا لَلْعَجَبِ مِنْ أَوْرَاقٍ وَقُلُوبٍ تُسَوَّدُ عَلَى هَذِهِ الْهَذَيَانَاتِ.
وَالصَّوَابُ أَنْ يَقُولَ: إِنَّ آدَمَ لَمَّا قَاسَمَهُ عَدُوُّ اللَّهِ أَنَّهُ نَاصِحٌ لَهُ، وَأَخْرَجَ الْكَلَامَ عَلَى أَنْوَاعٍ مُتَعَدِّدَةٍ مِنَ التَّأَكُّدِ: أَحَدُهَا: الْقَسَمُ، الثَّانِي: الْإِتْيَانُ بِجُمْلَةٍ اسْمِيَّةٍ لَا فِعْلِيَّةٍ، وَالثَّالِثُ: تَصْدِيرُهَا بِأَدَاةِ التَّأَكُّدِ، الرَّابِعُ: الْإِتْيَانُ بِلَامِ التَّشْدِيدِ فِي الْخَبَرِ، الْخَامِسُ: الْإِتْيَانُ بِهِ اسْمَ فَاعِلٍ لَا فِعْلًا دَالًّا عَلَى الْحَدِيثِ، وَالسَّادِسُ: تَقْدِيمُ الْمَعْمُولِ فِيهِ، وَلَمْ يَكُنْ آدَمُ يَظُنُّ أَنَّ أَحَدًا يُقْسِمُ بِاللَّهِ كَاذِبًا غَمُوسًا يَتَجَرَّأُ فِيهَا هَذِهِ الْجُرْأَةَ، فَغَرَّهُ عَدُوُّ اللَّهِ بِهَذَا التَّأَكُّدِ، فَظَنَّ آدَمُ صِدْقَهُ، وَأَنَّهُ إِنْ أَكَلَ مِنْهَا لَمْ يَخْرُجْ مِنَ الْجَنَّةِ وَرَأَى أَنَّ الْأَكْلَ، وَإِنْ كَانَ فِيهِ مَفْسَدَةٌ، فَمَصْلَحَةُ الْخُلُودِ أَرْجَحُ، وَلَعَلَّهُ يَتَهَيَّأُ لَهُ اسْتِدْرَاكُ مَفْسَدَةِ النَّهْيِ فِي أَثْنَاءِ ذَلِكَ، إِمَّا بِاعْتِذَارٍ وَإِمَّا بِتَوْبَةٍ، كَمَا تَجِدُ هَذَا التَّأْوِيلَ قَائِمًا فِي نَفْسِ كُلِّ مُؤْمِنٍ أَقْدَمَ عَلَى الْمَعْصِيَةِ.
[فَصْلٌ فِي بَيَانِ مَا يَقْبَلُ التَّأَوُّلَ مِنَ الْكَلَامِ وَمَا لَا يَقْبَلُهُ]
فَصْلٌ
فِي بَيَانِ مَا يَقْبَلُ التَّأَوُّلَ مِنَ الْكَلَامِ وَمَا لَا يَقْبَلُهُ
لَمَّا كَانَ وَضْعُ الْكَلَامِ لِلدِّلَالَةِ عَلَى مُرَادِ الْمُتَكَلِّمِ وَكَانَ مُرَادُهُ لَا يُعْلَمُ إِلَّا بِكَلَامِهِ، انْقَسَمَ كَلَامُهُ ثَلَاثَةَ أَقْسَامٍ: أَحَدُهَا: مَا هُوَ نَصٌّ فِي مُرَادِهِ لَا يَقْبَلُ مُحْتَمَلًا غَيْرَهُ، وَالثَّانِي: مَا هُوَ ظَاهِرٌ فِي مُرَادِهِ وَإِنِ احْتَمَلَ أَنْ يُرِيدَ غَيْرَهُ، الثَّالِثُ: مَا لَيْسَ بِنَصٍّ وَلَا ظَاهِرٍ فِي الْمُرَادِ بَلْ هُوَ مُحْتَمَلٌ مُحْتَاجٌ إِلَى الْبَيَانِ، فَالْأَوَّلُ يَسْتَحِيلُ دُخُولُ التَّأْوِيلِ فِيهِ، إِذْ تَأْوِيلُهُ كَذِبٌ ظَاهِرٌ عَلَى الْمُتَكَلِّمِ، وَهَذَا شَأْنُ عَامَّةِ نُصُوصِ الْقُرْآنِ الصَّرِيحَةِ فِي مَعْنَاهَا، خُصُوصًا آيَاتُ الصِّفَاتِ وَالتَّوْحِيدِ، وَإِنَّ اللَّهَ مُكَلَّمٌ، مُتَكَلِّمٌ، آمِرٌ، نَاهٍ، قَائِلٌ، مُخْبِرٌ، مُوجِدٌ، حَاكِمٌ، وَاعِدٌ، وَمُوعِدٌ، مُبِينٌ، هَادٍ، دَاعٍ إِلَى دَارِ السَّلَامِ، وَأَنَّهُ تَعَالَى فَوْقَ عِبَادِهِ عَالٍ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ، مُسْتَوٍ عَلَى عَرْشِهِ، يَنْزِلُ الْأَمْرُ مِنْ عِنْدِهِ، وَيَعْرُجُ إِلَيْهِ، وَأَنَّهُ
1 / 62