مختصر الصواعق المرسلة على الجهمية والمعطلة
مختصر الصواعق المرسلة على الجهمية والمعطلة
تحقیق کنندہ
سيد إبراهيم
ناشر
دار الحديث
ایڈیشن نمبر
الأولى
اشاعت کا سال
١٤٢٢ هـ - ٢٠٠١ م
پبلشر کا مقام
القاهرة - مصر
اصناف
[فصل بَيَانِ أَنَّ تَيَسُّرَ الْقُرْآنِ لِلذِّكْرِ يُنَافِي حَمْلَهُ عَلَى التَّأْوِيلِ الْمُخَالَفَاتِ لِحَقِيقَتِهِ وَظَاهِرِهِ]
فَصْلٌ
فِي بَيَانِ أَنَّ تَيَسُّرَ الْقُرْآنِ لِلذِّكْرِ يُنَافِي حَمْلَهُ عَلَى التَّأْوِيلِ
الْمُخَالَفَاتِ لِحَقِيقَتِهِ وَظَاهِرِهِ
أَنْزَلَ اللَّهُ الْكِتَابَ شِفَاءً لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِلْمُؤْمِنِينَ، وَلِذَلِكَ كَانَتْ مَعَانِيهِ أَشْرَفَ الْمَعَانِي وَأَلْفَاظُهُ أَفْصَحَ الْأَلْفَاظِ وَأَبْيَنَهَا وَأَعْظَمَهَا مُطَابَقَةً لِمَعَانِيهَا الْمُرَادَةِ مِنْهَا، كَمَا وَصَفَهُ اللَّهُ تَعَالَى بِقَوْلِهِ: ﴿وَلَا يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ إِلَّا جِئْنَاكَ بِالْحَقِّ وَأَحْسَنَ تَفْسِيرًا﴾ [الفرقان: ٣٣] فَالْحَقُّ هُوَ الْمَعْنَى وَالْمَدْلُولُ الَّذِي تَضَمَّنَهُ الْكِتَابُ، وَالتَّفْسِيرُ الْأَحْسَنُ هُوَ الْأَلْفَاظُ الدَّالَّةُ عَلَى ذَلِكَ الْحَقِّ، فَهُوَ تَفْسِيرُهُ وَبَيَانُهُ، وَالتَّفْسِيرُ أَصْلُهُ مِنَ الْبَيَانِ وَالظُّهُورِ، وَيُلَاقِيهِ فِي الِاشْتِقَاقِ الْأَكْبَرِ الْإِسْفَارُ، وَمِنْهُ: أَسْفَرَ الْفَجْرُ إِذَا أَضَاءَ وَوَضَحَ، وَمِنْهُ السَّفَرُ لِبُرُوزِ الْمُسَافِرِ مِنَ الْبُيُوتِ، وَمِنْهُ السِّفْرُ الَّذِي يَتَضَمَّنُ إِظْهَارَ مَا فِيهَا مِنَ الْعِلْمِ، فَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ التَّفْسِيرُ مُطَابِقًا لِلْمُفَسَّرِ مُفَهِّمًا لَهُ.
وَلَا تَجِدُ كَلَامًا أَحْسَنَ تَفْسِيرًا وَلَا أَتَمَّ بَيَانًا مِنْ كَلَامِ اللَّهِ سُبْحَانَهُ، وَلِهَذَا سَمَّاهُ اللَّهُ بَيَانًا، وَأَخْبَرَ أَنَّهُ يَسَّرَهُ لِلذِّكْرِ وَيَسَّرَ أَلْفَاظَهُ لِلْحِفْظِ وَمَعَانِيهِ لِلْفَهْمِ، وَأَوَامِرَهُ وَنَوَاهِيَهِ لِلِامْتِثَالِ، وَمَعْلُومٌ أَنَّهُ لَوْ كَانَ بِالْأَلْفَاظِ لَا يَفْهَمُهَا الْمُخَاطَبُ لَمْ يَكُنْ مُيَسِّرًا لَهُ بَلْ كَانَ مُعَسِّرًا عَلَيْهِ، وَإِذَا أُرِيدَ مِنَ الْمُخَاطَبِ أَنْ يَفْهَمَ مِنْ أَلْفَاظِهِ مَا لَا يَدُلُّ عَلَيْهِ مِنَ الْمَعَانِي، أَوْ يَدُلُّ عَلَى خِلَافِهِ فَهَذَا مِنْ أَشَدِّ التَّعْسِيرِ، فَإِنَّهُ لَا شَيْءَ أَعْسَرَ عَلَى الْأُمَّةِ مِنْ أَنْ يُرَادَ مِنْهُمْ أَنْ يَفْهَمُوا كَوْنَهُ سُبْحَانَهُ لَا دَاخِلًا فِي الْعَالَمِ وَلَا خَارِجَهُ، وَلَا مُتَّصِلًا بِهِ، وَلَا مُنْفَصِلًا عَنْهُ، وَلَا مُبَايِنًا لَهُ، وَلَا مُحَايِثًا لَهُ، وَلَا يُرَى بِالْأَبْصَارِ عِيَانًا، وَلَا لَهُ يَدٌ وَلَا وَجْهٌ مِنْ قَوْلِهِ: ﴿قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ﴾ [الإخلاص: ١] وَمِنْ قَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ: " «لَا تُفَضِّلُونِي عَلَى يُونُسَ بْنِ مَتَّى» " وَمِنْ قَوْلِهِ: ﴿الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ﴾ [غافر: ٧] وَأَنْ يُجْهِدُوا أَنْفُسَهُمْ وَيُكَابِدُوا أَعْظَمَ الْمَشَقَّةِ فِي تَطَلُّبِ أَنْوَاعِ الِاسْتِعَارَاتِ وَضُرُوبِ الْمَجَازَاتِ وَوَحْشِيِّ اللُّغَاتِ، لِيَحْمِلُوا عَلَيْهَا آيَاتِ الصِّفَاتِ وَأَخْبَارَهَا وَيَقُولُ: يَا عِبَادِي اعْلَمُوا أَنَّى أَرَدْتُ مِنْكُمْ أَنْ تَعْلَمُوا أَنِّي لَسْتُ فَوْقَ الْعَالَمِ،
1 / 57